تتصور أن الأمر سينتهي ولن يتكرر، ولكن تكراره تكراراً غير متوقع يزيد من ثقله، حتى صرت تنتظره، وصار بانتظارك له يجيء، وينتشر في أوقاتك المختلفة.. وأخيراً بعد طول ما طرقت من أبواب الطب العضوي، وأبواب الشيوخ، وأبواب الأصدقاء والأحبة؛ تراه مذكوراً، بل ومعروفاً بانتشاره في الطب النفسي من أكثر من قرنين باسم نوبات الفزع أو نوبات الهلع.
نوبة الفزع/ الهلع هي "مدة" مقتطعة من الوقت يتركز فيها بقوة شديدة كل مشاعر الخوف الشديد أو الانزعاج الضخم، وتتسم بأعراض تفاجئ صاحبها تصل في أقصاها لعشر دقائق وقليلاً ما تزيد عن ذلك، ولقد أقر التصنيف التشخيصي الأميركي الثالث DSM-lll باعتبار نوبات الفزع اضطراباً للقلق منفصلاً، ولا يعد جزءاً من الاكتئاب كما كان معروفاً قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً.
ووضعت للنوبة أعراض متعددة، ويتم تشخيص النوبة باعتبارها نوبة هلع إذا توفرت على الأقل أربعة أعراض من الأعراض التالية:
- خفقان القلب بقوة وسرعة غير معتادة.. حتى يقول بعضهم: "كأن قلبي يضرب بقوة آلة إيقاعية قوية صاخبة تشعرني أنه سينتقل من مكانه، أو سيقفز من صدري".
- ارتجاف في الجسم.. حتى قال بعضهم أنه يشعر بارتعاش داخلي لا يظهر على الجسد من الخارج وبخاصة في اليدين والساقين.
- تعرق.. تحدث بعضهم عن أنه يكون عرقاً بارداً.
- الشعور باحتباس النفس، أو الاختناق، أو صعوبة شديدة في الحصول على الهواء، ومع صعوبة في البلع.
- الدوخة، والشعور بالاقتراب من الإغماء.. وذكر بعضهم أنهم شعروا بالذبول وكأنه سيخفتون ويصيرون للصمت.
- ألم في الصدر وألم في البطن والشعور بالرغبة في القيء والغثيان.. وبعضهم كان يشير للألم بمنتصف الصدر تماماً عند التقاء جانبي القفص الصدري من الأمام.
- القشعريرة التي تصاحب البرد، أو سخونة مفاجئة في الجسد.. تشبه هبات السخونة التي تصاحب فترات انقطاع الطمث عند النساء.
- طنين بالأذن، ووجع بالرقبة، ووخز في أماكن متفرقة بالجسد.
- الشعور بالغربة عن النفس، أو الغربة عن المكان، وهو ما يعرف علمياً باختلال الآنية، واختلال الواقع؛ حيث يستغرب الشخص مشاعره، أو يستغرب شعوره اللحظي الحادث الآن عما كان يشعر به سابقاً في مثل هذا الوقت، أو الموقف، أو لا يتمكن للحظات من معرفة المكان الذي يكون فيه.
- الخوف الشديد من الموت أو من عدم قدرته على السيطرة على ما يحدث في جسده، أو سيطرته على أفكاره وعقله.
- الشعور الكبير بعدم الراحة مع الخدر في الجسم.
- الصداع والصراخ والبكاء بصوت عالٍ مع عدم القدرة على التوقف، أو التحكم في ذلك.
- ارتباك عمل الجهاز الهضمي بشكل سليم، وبعضهم كان يتحدث عن تكرار التجشؤ بصورة متسارعة، وغير مبررة.
* أنواع نوبات الهلع
مرضى الهلع في الواقع يعانون من عدة أنواع من نوبات الهلع التي يمكن تمييزها، ولكن كان أكثر ما يتحدثون عنه أنها تكون نوبة رعب قوية، وذعراً شديداً جداً يجعلها فترة مروعة وأكثر مشاعر تظهر فيها هي الاندهاش مع عدم القدرة على التفسير الواضح مع عجز التعبير الدقيق عنها.. فما هي أنواع نوبات الهلع؟
1. نوبة الهلع الليلية
هي نوبة هلع تحدث في الليل فقط، وقد يصحو المصاب بها من نومه عند بدايتها تماماً، وغالباً يصحو مع شعور قلق، وعدم قدرة على التعرف على مكان وجوده، وبتشويش كبير، ويظل في أعراضها من 2 - 8 دقائق، ويستيقظ آخرون في منتصف النوبة نفسها ليلاً، وهم يستوعبون أنهم كانوا نائمين، وأنهم كانوا في نوبة هلع، ومنهم من يذكر حدوث الجز على الأسنان، أو ألم في رأسه، وعموماً مرضى نوبات الهلع الليلية يعانون من نفس أعراض النوبة التي تحدث نهارا، و66% منهم يعانون من النوبة في الليل بشكل غير منتظم؛ بينما يعاني 33% منهم من نوبة الفزع الليلية بشكل منتظم، والحقيقة أن نوبة الهلع الليلية تحديداً تأتي نتيجة لوجود خلل، أو مرض عضوي مثل:
- هزات مفاجئة في عضلات الجسد عن بداية الدخول العميق في النوم، أو في أول الاستيقاظ، وهو ما يشعر الشخص بدوره كأنه سيسقط، أو كأنه يتعرض لصدمة كهربائية؛ فيستدعي كل هذا حدوث النوبة، وهؤلاء يعانون عضوياً بالأساس من Myoclonic Jerks.
- توقف التنفس الليلي، وهنا يحدث زيادة في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الدم؛ فيحدث الاختناق؛ ويحدث الخوف الذي بدوره يستدعي مجيء النوبة، وهؤلاء يعانون بالأساس مما يعرف ب Sleep Apnea.
- حرقان في المعدة الليلي ويفسره الشخص على أنه أزمة أو نوبة قلبية؛ فتحدث النوبة.
2. نوبات الهلع الثانوية الناتجة عن سبب عضوي
هي نوبات هلع في مضمونها، ولكنها ليست تشخيصاً للقلق؛ تبدو تماماً كنوبة الهلع ولكن سببها عضوي؛ كالتي تحدث بسبب زيادة في نشاط الغدة الدرقية، أو خلل في نظام عمل القلب، أو بسبب تحفيز الجهاز العصبي بالمخدرات.. الخ، وهنا القصة لا ترتبط إطلاقاً بالقلق النفسي رغم وجود أعراض نوبة الهلع النفسية؛ لأن السبب الحقيقي فيها هو السبب العضوي.
3. نوبات الهلع المستترة
هي نوبات هلع نفسية، ولكنها لا تظهر بوجهها وأعراضها الكاملة، ولا يمكن تأكيد التشخيص إلا بعد القيام بفحوصات متعددة؛ وقد تأتي النوبة على شكل ألم في الصدر عند الشخص مع التأكد الطبي التام من سلامة الشرايين التاجية، وقد تظهر على شكل أعراض القولون العصبي، أو على شكل دوخة غير مفسرة طبياً، أو على شكل متلازمة فرط التنفس، وفي كل هذه الحالات تأتي الأعراض على شكل نوبات لا يوجد لها تفسير طبي رغم إجراء العديد من الفحوصات المتخصصة.
4. نوبة الهلع غير المرتبطة بمخيف
هنا الشخص يتعرض لنوبة هلع رغم عدم وجود خوف من داخله تجاه الموقف الذي يوجد فيه، أو تجاه حدث يخيفه؛ فهناك من تداهمه نوبة الهلع أثناء وجوده عند صديقه؛ رغم عدم خوفه من بيت صديقه؛ وتعرضه لنوبة الهلع في بيت صديقه يجعله مهيئاً لحدوثها كل مرة يذهب فيها لبيت صديقه، وهؤلاء الأشخاص لا يتعرضون للنوبات بشكل مباشر بسبب الحدث، ولا بشكل دائم عند التعرض لنفس الحدث.
5. نوبات الهلع المرتبطة بمخيف
حيث ترتبط بحدث أو مكان أو نشاط معين يخاف منه الشخص بالفعل؛ ويحدث هذا النوع من النوبات في الأشخاص التي تعاني من الوسواس القهري، أو رهاب الخلاء، أو كرب ما بعد الصدمة، كلما تعرضوا لما يذكرهم بما حدث، والحقيقة الأوضح هي أن هؤلاء الأشخاص يقلقون من حدوث النوبة حين يتعرضون للحدث الذي يخيفهم؛ فيزداد القلق؛ فتحدث النوبة بالفعل.
6. نوبات هلع محدودة الأعراض
هي نوبات لا تكتمل فيها كل أعراض النوبة الكاملة، فالأعراض لا تكون قوية، والشاهد أن الأشخاص الذين يعانون من نوبات هلع محدودة نادرين، وأن من تعرضوا للنوبات الكاملة هم الأكثر عرضة لهذا النوع من النوبات المحدودة.
7. نوبات الهلع التلقائية
هي نوبات هلع تظهر عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهلع، ولكنها لا ترتبط بمكان ولا حدث، ولا نشاط معين؛ فهي تأتي فجأة في أي وقت، أو حدث، أو مكان ليلاً أو نهاراً، وتكون مخيفة مفاجئة لصاحبها، وغالباً ما تكون نوبة الهلع الأولى لأصحابها.
8. نوبات الهلع المعملية
هي نوبات هلع قام العلماء بإحداثها عند الأشخاص عن طريق تناول بعض الأدوية لدراستها بشكل علمي، وكانت النوبة تتشابه تماماً مع نوبات الهلع الطبيعية، وتظهر بقوة أكبر وبحساسية أعلى في الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهلع عن هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من أنواع قلق أخرى، والأدوية المضادة للهلع يمكنها تخفيف أعراض النوبة، بل ومنعها.
9. نوبات الهلع الناتجة عن الاسترخاء
وجد أن الأشخاص الذين يعانون من القلق، والحذر الشديد، والأشخاص الذين يميلون بقوة لسوء تفسير المشاعر الجسدية التي تحدث لهم أثناء نوبة الهلع النفسية، وهؤلاء الذين يشكون بشدة من عدم قدرتهم على السيطرة هم الأكثر عرضة لنوبات الهلع أثناء الاسترخاء، أو أثناء محاولة تنويمهم بالإيحاء؛ حيث يفسرون مشاعرهم الجسدية بأنها نوبة فزع قادمة.
اقرأ أيضاً:
اضطراب الهلع .. الرعب ذاته (ملف)
المصادر:
Berrios GE. (1996) Anxiety and cognate disorders in The History of Mental Symptoms (Descriptive psychopathology since the nineteenth century). University Press, p. 262-88, Cambridge, 1996.
Stone MH. History of anxiety disorders. In: Stein DJ, Hollander E, organizers. Textbook of Anxiety Disorders. American Psychiatric Press, p. 3-11, Washington DC, 2002.
Klein DF. Delineation of two drug-responsive anxiety syndromes. Psychopharmacologia, 5: 397-408, 1964.
American Psychiatric Association (APA). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders – DSM-III, Third Edition. Washington DC: American Psychiatric Press; 1980.