تحظى قصص وأفلام الرعب بشعبية تكاد تتخطى سائر الأنواع الأخرى، بل إن أول فيلم رعب أُنتج عام 1890 أثناء حقبة السينما الصامتة. وفي شهر أكتوبر من كل عام يتسابق صناع السينما لإنتاج أفلام رعب تُلائم أجواء هذا الشهر. وتشير إحدى الإحصائيات إلى أن 18% من أرباح السينما الأميركية في عام 2021 حظيت بها أفلام الرعب، وتشير إحصائية أخرى إلى أن 51% من الأميركيين (في الشريحة العمرية من 22 إلى 50 عامًا) يشاهدون أفلام الرعب خلال شهر أكتوبر احتفالا بالهالوين.
ومع كل هذه الشعبية لأفلام الرعب، رغم ما بها من مشاهد مخيفة ودموية، ومواقف عنيفة ومروعة، يأتي السؤال الحتمي: ما هي الآثار الصحية لأفلام الرعب، وهل هي ضارة بالصحة النفسية؟
* لماذا يحب البعض مشاهدة أفلام الرعب؟
قبل أن نستكشف الآثار الصحية لأفلام الرعب، سنحاول الإجابة أولًا على سؤال حتمي آخر: لماذا يحب البعضُ مشاهدةَ أفلام الرعب؟في كتابه "المخ الأبله"، يجيب عالِم الأعصاب "دين برينت" عن هذا السؤال، بأن أحد أسباب ذلك قد يرجع إلى أن الجزء المسؤول عن الشعور بالخوف أو الرهبة في المخ- ويُدعَى المسار الوسطي الطرفي- هو نفسه الجزء المسؤول عن إحساس المخ بالتحفيز والمتعة والمكافآت، وهو أحد المسارات العصبية المسؤولة عن إفراز مادة الدوبامين في المخ، التي تعزز من الشعور بالاستمتاع أو السعادة.
سبب آخر يشير إليه برينت، هو أن الشعور بالتحفز أو الخوف أثناء مشاهدة فيلم رعب يثير داخل المخ استجابة الكر أو الفر (أي تهيئة الجسم للهروب أو القتال بسبب وجود خطر محتمل)، ويعود ذلك إلى جهل المتفرج بالأحداث اللاحقة من الفيلم، لكنه في الوقت نفسه يشعر بالأمان لإدراكه أن هذا الخطر غير حقيقي. وهو ما يماثل تمامًا ذلك الشعور عند ركوب "قطار الرعب" أو "القطار الأفعواني" في الملاهي.
ويبدو أنه كلما قّلت السيطرة على الشعور بالخوف، كان ذلك أكثر تشويقًا، لكن رغم هذا لابد من الشعور ببعض السيطرة لتصبح التجربة مخيفة بشكل ممتع، كما هي الحال في أثناء مشاهدة فيلم.
تسبب استجابة الكر أو الفر إفراز هرمون الأدرينالين، والذي يفرزه الجسم في حالة الشعور بالخوف أو الخطر، كما يفرزه الجسم أيضًا أثناء الشعور بالإثارة أو المتعة، لذلك قد يصبح الشعور بالراحة بعد الفزع ممتعا.
* الآثار الفسيولوجية لمشاهدة أفلام الرعب
كما ذكرنا سابقًا، فإن أفلام الرعب تحفز استجابة الكر أو الفر، والتي تؤدي إلى إفراز الأدرينالين في الجسم، ويتسبب ارتفاع الأدرينالين في:- زيادة معدل ضربات القلب، وتمدد الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى زيادة جريان الدم، وارتفاع ضغط الدم.
- ارتفاع معدل التنفس.
- اتساع حدقة العين.
- شحوب البشرة.
- تقليل الإحساس بالألم.
- انقباض العضلات.
- زيادة التركيز والملاحظة.
- زيادة الجلوكوز في الدم.
- الإحساس بالقلق والتوتر.
ما إن ينتهي تأثير الأدرينالين على الجسم، يتسلم الجهاز العصبي اللاودِّي زمامَ الأمور مرة أخرى، فيبدأ الجسم في الاسترخاء، والشعور بالراحة.
وفي دراسة أُجريت عام 2019، أظهرت نتائج قياس النشاط الدماغي للمشاركين قبل وبعد تعرضهم لمشاعر الخوف، تحسّن الحالة المزاجية، ويزيد الشعور بالتحسن كلما شعر الشخص بقدرته على مواجهة مخاوفه.
لكن رغم المتعة التي قد يشعر بها البعض أثناء مشاهدة أفلام الرعب، إلا أن زيادة الأدرينالين وهرمونات القلق الأخرى وآثارها قد يُزعِج آخرين لا يرغبون في تكرار تلك التجربة، لهذا لا يميلون إلى مشاهدة أفلام الرعب.
قد تؤدي زيادة الأدرينالين أيضًا إلى اضطراب النوم، كما أن بعض أحداث الفيلم قد تعلق بالذاكرة لبضعة أيام، مما يسبب الكوابيس، والإصابة بالأرق.
* الآثار النفسية لمشاهدة أفلام الرعب
تشير الدراسات إلى أن اضطراب النوم الذي قد يتبع مشاهدة فيلم رعب، قد يؤثر على ردود الأفعال، وكيفية التفاعل مع المشاعر في الأيام التالية، ويسبِّب ميلًا إلى المشاعر السلبية، كما أنه قد تم الربط بين مشاعر الاكتئاب، واضطرابات النوم والأرق.قد تؤدي مشاهدة أفلام الرعب لدى الأشخاص الأكثر حساسية، والذين يعانون بالفعل من مشاعر التوتر إلى الإصابة باضطرابات القلق، مما يؤدي إلى الخوف المفرط والمستمر، والإصابة بنوبات الهلع.
* هل لأفلام الرعب آثار إيجابية؟
رغم كل المشاهد المخيفة والأصوات المفاجئة التي تملأ أفلام الرعب، إلا أن تجربة مشاهدة الرعب قد تعتبر فرصة مناسبة لمواجهة المخاوف الذاتية، وتَحمُّل المواقف المؤلمة، أو التي تسبب التوتر، من دون التعرض إلى الخطر.وكما أشرنا، فإن انتهاء تأثير الأدرينالين بعد المشاهدة، يؤدي إلى الاسترخاء، والشعور بالراحة والمتعة.
* نصائح قبل مشاهدة أفلام الرعب
- تختلف أنواع أفلام الرعب، فمنها ما يعتمد على المشاهد الدموية، وأخرى على المسوخ والكائنات المخيفة، أو على الأشباح أو على الموسيقى المثيرة للأعصاب. لهذا حاوِل اختيار النوع الذي يناسبك، والذي تستطيع احتماله والاستمتاع بمشاهدته.
- لا تسرف في مشاهدة الكثير من الأفلام في وقت قصير. ففي دراسة أُجرتها جامعة توليدو عام 2017، أظهرت النتائج أن الإسراف في مشاهدة الأفلام، قد يزيد من أعراض القلق ويؤدي إلى اضطرابات النوم.
- حاول أن تأخذ استراحات أثناء مشاهدة الفيلم، عند الشعور بزيادة القلق، وتذكَّر أنك - في نهاية الأمر - لا تشاهد أفلام الرعب إلا للبحث عن بعض المتعة والاسترخاء.
المصادر:
INTO THE DARK: WHAT IS THE PHYSICAL AND MENTAL IMPACT OF BINGE-WATCHING HORROR MOVIES?
Are Horror Movies Bad for Your Mental Health?
(Why) Do You Like Scary Movies? A Review of the Empirical Research on Psychological Responses to Horror Films