صحــــتك

مرحلة المراهقة.. عن الفراغ العاطفي والانفعالية

مرحلة المراهقة.. عن الفراغ العاطفي والانفعالية
في المقالة السابقة ناقشنا المراهقة إجمالاً، وحاولنا استكشاف دماغ المراهق وما يعتمل فيه من تفاعلات، وفي هذه المقالة سنبحر سويّاً بشكل أكثر عمقا لفهم نفسية المراهق، وإذا أردنا أن نقسّم نفسيّة المراهق فيمكننا تقسيمها إلى شقين، هما الشق الانفعالي والشق الذهني، والمسؤول عن الشق الانفعالي هو الجهاز الحوفي Limbic system أو اللوزة Amygdala والحُصين Hippocampus، ولأن تطور الجهاز الانفعالي يسبق العقلاني فسأبدأ الكلام به.

* الاندفاعية Impulsivity
تعد هذه السمة من سمات المراهقة وهي واحدة من أهم مميزات تلك المرحلة، ومن أهم عيوبها كذلك، فهذه السمة مسؤولة عن ضخ دماء جديدة في الشعوب، وتغيير القديم ومراجعته، بل استكشاف وخوض المغامرات والمنافسات، مدفوعين بتطور الجهاز الحوفي نسبياً، وخاصة نواة المكافأة فيه. الخطورة أن هذه النواة مسؤولة عن الشعور بالنشوة واللذة ومسؤولة كذلك عن الإدمان. ويظن البعض أن المراهقين يخطئون في تقدير الخطر المترتب على الاندفاعية، والحقيقة أنهم يدركون ذلك ولكن يبالغون في تقدير اللذة المترتبة عليها.

يكمن الحل مع هذه السمة في تربية المراهقين تربية وجدانية، يمكنهم من خلالها الانتباه لعالمهم الداخلي ومشاعرهم، مع تنمية جانب المواجدة والتعبير عن هذه المشاعر بشكل صحّي، وكذلك دفعهم إلى التطوع في أنشطة شبابية للتوعية بخطورة الإدمانات وطرق الوقاية منها.

اقرأ أيضاً:
استكشاف دماغ المراهق

* الفراغ العاطفي
يمثل الإلحاح/ الفراغ العاطفي مساحة مشتركة للشكوى من المراهقين وأولياء الأمور، والتعامل الشائع مع هذه المسألة هو صورة من صور التطرّف الإنساني، فيميل البعض إلى التجفيف الكامل والتصحير أو إلى التحرر والتجاوز. وكلا الاختيارين هو وسيلة للهرب من مواجهة الموضوع، فالتقييد والتحرر كلاهما يحمل معنى الرغبة في حل سريع ومريح لمقدم الرعاية أو المربي، وكلاهما يتجاهل الاحتياجات الحقيقية للمراهق.

والفراغ العاطفي مثل التوتر، القليل منه مطلوب ومفيد والكثير منه ليس كذلك. ويبدأ في الظهور في المرحلة الثالثة من المراهقة مع دخول أزمة الحميمية والانتماء مقابل العزلة - طبقاً لمنظور إريك أريكسون - فيواجه المراهق أو المراهِقة اختبار القدرة على تكوين علاقات حميمية أم لا. هذا الاحتياج هو ما يدفع الفرد إلى الخروج عن عش الأسرة لتكوين عش جديد مستقلاً عن بيت التنشئة، وأزمة مجتمعاتنا في انخفاض القدرات الاقتصادية وصعوبة تكوين علاقات حقيقية ومستمرة مما يجعل من الرغبات العاطفية أزمة حقيقية.

ما أطرحه هنا هو حل وسط بين الاثنين، وهو يمر بفهم هذه المرحلة من المراهقة. يختبر المراهق، شباناً وفتيات، خلال هذه المرحلة نوعاً من الإلحاح العاطفي، وتظهر نتائج درجة الإشباع الطفولي لاحتياجات القبول والرؤية والحب، فالمراهق الذي لديه خزان ممتلئ من هذه الاحتياجات يستطيع أن يؤجل إشباع بعض الاحتياجات في المراهقة، وترشيد بعضها الآخر وضبطه.

اقرأ أيضاً:
لماذا يحدث الإدمان؟

تظهر المشكلة الفعلية لدى أولئك الذين لديهم خزان فارغ من الاحتياجات النفسية، فلا تصمد دفاعاتهم أمام إلحاحات هذه المرحلة، وقد ينجرفون في صور وسمات غير صحية، أشهرها ما يُعرف باضطراب الشخصية الحدية، وهو ما يفضل البعض تسميته باضطراب ضبط المشاعر، وهناك أدلة قوية لدينا على أن الكثير من الأفراد ذوي الشخصية الحدية قد مروا بطفولة غير داعمة، تلقّوا فيها نوعاً من الإساءات النفسية أو الجنسية أو كليهما، وتبدو قدرتهم في نوع من عدم القدرة على بناء علاقة حقيقية مشبعة، وكذلك الدخول في سلوكيات مسيئة للذات سواء في شكل علاقات خطرة وغير صحية، أو سلوكيات إدمانية ومؤذية جسدياً.

أخطر ما يواجه المراهقين في هذه المرحلة هو عدم وضوح الحدود النفسيّة والذي يجعل منهم هدفاً للعلاقات المسيئة، حيث يجدون أنفسهم مدفوعين بهذه الاحتياجات، وتحت نزعة الاندفاعية قد يخسر المراهقون الكثير، ولذا ينبغي تربيتهم منذ الصغر على الاستقلالية وبناء الحدود الصحية، وهي الحالة الوسط بين الانغلاق والانعزال وبين ذوبان الحدود وعدم وضوحها.

والحل الأمثل مع هذه السمة العامة هو التصديق والدعم، ويعني التصديق Validation قبول هذه الاحتياجات والإقرار بها، سواء من الشخص نفسه أو من مقدم الرعاية، ثم تقديم الدعم سواء كان دعماً ذاتياً أو من المحيطين. وتقديم الدعم الذاتي هنا يكون من خلال استكشاف الاحتياجات النفسية غير المشبعة والعمل على إشباعها، وجرد الإساءات غير المشفية والعمل على مداواتها، وهو ما يمكن تسميته باحتضان الطفل الداخلي.

وأخيراً، ما أود أن أختم به لأصدقائي في هذه المرحلة وكذلك للآباء هو أن فترة المراهقة هي أهم فترة في العمر في ما يتعلّق بالتكيّف والتعلّم والاستكشاف. وبالرغم من خطورتها وجموحها إلا أنها الفترة الذهبية كذلك، فهذه الطاقة الجارفة نحتاجها لبناء الفرد والمجتمع، فهي سن إبراهيم - عليه السلام - لما دعا أباه وقومه، وهي سن فتية أهل الكهف لما قاوموا الملك وجنوده وهربوا إلى الله وخلّد الله سيرتهم في القرآن.
آخر تعديل بتاريخ
17 ديسمبر 2017
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.