اقــرأ أيضاً
تأثير غياب الأب على البنت
ماذا تقول البحوث عن المرأة التي ترعرعت مع آباء لا يحبونها أو البنات اللواتي لم يحظين أبداً بأب؟ في المقال أدناه، أقدم ست علامات تندرج تحت تأثير غياب الأب على البنت سواءً كان هذا الغياب مادياً أم معنوياً:
1. لديهن مشكلات في احترام الذات والشعور بالاستحقاق
بحسب ديبورا موسكوفيتش Deborah Moskovitch، وهي كاتبة ومستشارة طلاق، فإن الأطفال غالباً ما يلومون أنفسهم عندما يغادر الأب المنزل ويصبح أقل مشاركة في حياتهم. عندما لا يعطيهم أحد تفسيراً عن سبب ترك الأب لهم، فإنهم يصنعون سيناريوهاتهم الخاصة، ويقفزون إلى استنتاج أن ذلك خطؤهم وأنهم غير محبوبين.
وينطبق هذا بشكل خاص على البنات، فقد أظهرت الدراسات التي لا حصر لها أن تأثير غياب الأب على البنت سلبي للغاية على احترام البنات لذواتهن، إذ يمكن أن تتقلص ثقتها في قدراتها وقيمتها كإنسان إلى حد كبير إذا لم يكن والدها هناك، ويحدث ذلك أكاديميًا، وشخصيًا، ومهنيًا، وجسديًا واجتماعيًا ورومانسيًا، ويتقلص احترام المرأة لذاتها في كل مكان إذا لم تكن لها علاقة صحية مع والدها.
وتضيف موسكوفيتش: "عندما كنت طفلة، شاهدت عدة أفلام ومسلسلات تلفزيونية، قام الآباء بغمر بناتهم بالاهتمام والمودة، ولأنني لم أحصل على ذلك من والدي، أقنعت نفسي أنه كان بسبب أنني لم أكن جذابة بما فيه الكفاية. ظننت أنني لو كان لدي شعر أشقر وعيون ملونة أو كانت لي مهارات خاصة، فإنني سأنال إعجاب والدي. لقد كرهت شكلي لأنني اعتقدت أنه تسبب في عدم اهتمام والدي بي، ومع تقدمي في السن، تراجع احترامي لذاتي، وكنت على يقين من أن أي رجل لن يجدني جذابة.
2. يناضلن لبناء العلاقات والحفاظ عليها
وفقًا لباميلا توماس Pamela Thomas، مؤلفة كتاب "بنات بلا آباء Fatherless Daughters"، وهو كتاب يدرس كيفية تعامل البنات مع فقدان الأب عن طريق الموت أو الطلاق، فإن النساء اللاتي ترعرعن مع آباء غائبين يجدن صعوبة في تكوين علاقات دائمة.
ولأنهن تعرضن للخدش بسبب رفض آبائهن لهن، فإنهن لا يردن المخاطرة بالتعرض للأذى مرة أخرى؛ فهن يتجنبن الاقتراب من الناس، بوعي أو بغير وعي، وقد يشكلن علاقات سطحية يكشفن بها القليل من أنفسهن ويبذلن القليل من الجهد في التعرف على الآخرين، قد يصبحن منحلّات كطريقة للحصول على انتباه الذكور دون أن يكن مرتبطات عاطفياً.
وتقول الكاتبة: "منذ الطفولة، قمت ببناء جدران حول نفسي، لم أفتح الباب أمام الناس، ولم أسألهم الأسئلة المعتادة عن عائلاتهم أو وظائفهم أو هواياتهم، احتفظت بحياتي الخاصة، وبقيت معزولة اجتماعيًا. كانت هذه كلها إجراءات حماية ذاتية حتى لا أواجه الرفض كما حدث من والدي. ولم تفعل معرفتي لهذا من الناحية الفكرية شيئًا لمساعدتي في تغيير سلوكي، لأن خوفي من الرفض كان أقوى من رغبتي في إقامة روابط".
اقــرأ أيضاً
3. إنهن أكثر عرضة لاضطرابات الأكل
في كتاب "دليل الوالدين لاضطرابات الأكل Parent’s Guide to Eating Disorders"، يكتب المؤلفان مارشا هيرين ونانسي ماتسوموتو Marcia Herrin & Nancy Matsumoto ببلاغة عن حقيقة أن الفتيات اللواتي لديهن آباء غائبون جسديًا أو عاطفيًا معرَّضات بشكل أكبر لخطر الإصابة باضطرابات الأكل، كفقدان الشهية العصبي، والشرَه المرَضي، والإفراط في تناول الطعام، وعدم قبول صورة الجسم، والانشغالات غير الصحية بالغذاء أو وزن الجسم، وغيرها من اضطرابات الأكل.
ومن تأثير غياب الأب على البنت أن الإصابة بالاضطرابات أكثر احتمالاً، كما أن البنات اللواتي يفتقرن للآباء أكثر عرضة للبدانة بمقدار الضعف. ولأن شوقها لعلاقة وثيقة مع والدها قد تم إنكاره، فإنها قد تتطور فيما تصفه مارجو ماين Margo Maine (مؤلفة كتاب: الجوع للأب: الآباء والبنات والغذاء Father Hunger: Fathers, Daughters, & Food) بـ "الجوع للأب"، والفراغ وانعدام الأمن العميق. وهو ما يجعل البنات يتساءلن: ما هو الخطأ الموجود عندي الذي يجعل والدي لا يحبني؟ هل إذا كان شكلي مختلفاً، إذا كنت نحيفة مثلاً، فهل سأحصل على حب أبي؟
وتذكر المؤلفة أنها ناضلت مع "الجوع للأب" طوال حياتها، تجمّل وجهها، وتتبع نظاماً غذائياً لتكون نحيفة، ودائماً ما كان لديها وسواس حول الغذاء، فقد احتلت الأفكار حول الأكل رأسها، ولم يكن أمامها خيار إلا أن تطيع هذه الوساوس أو تكافحها بصعوبة شديدة.
وتضيف أن مشكلاتها لم تُحَل إلا عندما قبلت أن والدها لم يحبها، وأنه كان رجلاً تعيساً ذا مشكلات عميقة الجذور، وهنا فقط بدأت أخيراً في الأكل بشكل طبيعي، وبدأت في الحفاظ على وزن صحي، وبدأت تعامل نفسها بطريقة محبة من خلال ممارسة الرياضة، والبستنة، والقراءة، والمشي في الغابة، وقضاء الوقت مع العائلة، وللمرة الأولى في حياتها، كانت تفكر فقط في الطعام عندما تكون جائعة حقًا، وهو ما حررها للاستمتاع بحياتها بعدة طرق رائعة.
اقــرأ أيضاً
4. إنهن أكثر عرضة للاكتئاب
ليس من المستغرب أن الفتيات اللاتي ترعرعن مع آباء غائبين عاطفياً أو جسدياً هن أكثر عرضة للنضال مع الاكتئاب؛ ولأنهن كن يخشين الهجر والرفض، فإنهن غالباً ما يلجأن بشكل غير واعٍ لأي من السيناريوهات الآتية:
- إما أن يعزلن أنفسهن عاطفياً
يتجنبن العلاقات الرومانسية السليمة لأنهن يخشين أن يصبن بأذى.
- يقفزن إلى علاقات غير صحية تؤدي في نهاية المطاف إلى تحطّم قلوبهن
في أي من السيناريوهين، فإن النساء يتعرضن لخطر عاطفي وكثيراً ما يصبن بالاكتئاب، وإذا لم يتعاملن مع سبب حزنهن -وهو الأب الغائب- فقد لا يتمكنّ أبدًا من تطوير علاقات صحية مع الرجال.
ووفقاً لدينا بابول وكارين لويز Denna Babul & Karin Louise، المسؤولتين عن مشروع ابنة بلا أب Fatherless Daughter Project، من المفيد أن ندرك ببساطة أننا لسنا وحدنا، وفي الواقع، ترى واحدة من كل ثلاث نساء أنهن بلا آباء، وأنهن يصارعن مشاعر الهجر. إن معرفة هذه الحقيقة تساعدنا على رؤية أن هناك أخوات كثيرات يتقاسمن معنا نفس الألم المشترك، وعندما نفتح رحلتنا ونشاركها، فإننا نساعد أنفسنا وبعضنا البعض، وسواء شعرنا بفقدان الأب بسبب الموت أو الطلاق أو الإدمان على المخدرات أو الغربة أو الإهمال العاطفي، يجب أن نخرج الأحزان من أجل المضي قدمًا.
اقــرأ أيضاً
5. إنهن أكثر عرضة للإدمان
كما هو الحال مع الاكتئاب، واضطرابات الأكل، وانخفاض احترام الذات، فإن تأثير غياب الأب على البنت يمكن أن يحبس الابنة في نمط تكراري سلبي لا تستطيع اختراقه بسهولة، ومن ثم تتحول إلى العقاقير للتداوي الذاتي والمساعدة في تخدير الألم، ومن المرجح أن تجد نفسها عالقة في دورة من تعاطي المخدرات. وعلى سبيل المثال، ووفقًا لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، فإن الأطفال بلا آباء معرّضون بشكل كبير لخطر تعاطي المخدرات والكحول، ولا يقتصر الأمر على تعرض الأطفال في الأسر التي يغيب عنها الأب للفقر بمقدار أربع مرات أكثر من غيرهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية، بل وُجد أن المراهقين بلا آباء أكثر عرضة بنسبة 69٪ لاستخدام المخدرات، وأنهم أكثر عرضة لارتكاب الجرائم بنسبة 76٪.
6. إنهن قد يقعن في علاقات آثمة
أظهرت الدراسات الفوائد العديدة التي تأتي من الرابطة القوية بين الأب وابنته، فالفتيات المقربات من آبائهن أقل احتمالاً أن يحملن سِفاحاً في سن المراهقة، إذ يؤخرن الدخول في علاقات وينتظرن وقتًا أطول للزواج وإنجاب أطفال، وعندما يجدون زوجًا، فإن زيجاتهم تكون أكثر إرضاء واستقراراً من الناحية العاطفية ومن ثم أطول أمداً.
كما أظهرت دراسات لا حصر لها أن النساء اللواتي لديهن علاقات أبوية غير مستقرة أو غير موجودة أكثر عرضة للوقوع في علاقات آثمة في سن مبكرة، وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 70٪ من حالات الحمل غير المخطط لها تحدث في المنازل التي لا يوجد فيها أب.
وتقص علينا كاتبة المقال تأثير غياب الأب على البنت من خلال قصة أختها الأكبر سناً التي لم تكن على علاقة جيدة بوالدها، والتي قابلت زوجها المستقبلي عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها فقط، وتزوجته عندما بلغت الثانية والعشرين من العمر، وكان الرجل الوحيد الذي واعدته، ودون أدنى شك، فإنها كانت تبحث عن الحب والتحقق الذي لم تحصل عليهما من والدها، وكانت تبحث عن بديل لرجل لم يقل لها أبداً "أنا أحبك" أو "أنت جميلة"، ولم يعطها القبول غير المشروط الذي تتوق إليه من أبيها، وعلى الرغم من أنها ما تزال متزوجة، فإن علاقتها الزوجية كانت صعبة، وهي لا تشجع بناتها على الزواج في سن مبكرة.
اقــرأ أيضاً
ولكن هل يمكن للبنت العيش بدون أب؟
تقول كاتبة المقال، والتي عانت من فقد والدها، إن تأثير غياب الأب على البنت عميق جدًا وممتد حتى عمر أكبر، وتشير أنها لم تشعر أبداً أنها جذابة، ولم تتمكن أبدًا من تكوين صداقات طويلة الأمد، لقد رفضت السعادة لأنها لم تشعر أبدًا أنها تستحقها، ولقد فعلت الكثير لتخريب حياتها وجعل نفسها بائسة.
ولكن عندما كشفت لها أختها الكبرى أنها شعرت أيضاً بأنها غير محبوبة، فإنها شعرت على الفور بالراحة الهائلة وبنشوة عظيمة، وأدركت أن الشعور بأنها كانت سيئة وقبيحة وغبية وغير مستحقة لم يكن يخصها وحدها، وأن الأمر متعلق به هو، متعلق بأبيها، وطفولته غير السعيدة، وأمه الباردة، وطبيعته السلبية، وعدم رضاه عن كونه زوجاً وأباً، الأمر لم يكن يخصها هي أبداً.
ختاماً, وفقاً لكيتلين مارفاسو Caitlin Marvaso، مستشارة ومعالجة الحزن، فإنه وللتعافي من تأثير غياب الأب على البنت وهجر الأب، يجب على المرأة "أن تتعلم أن تكون أباً لنفسها، وأن تحتضن نفسها، وتتلقى نوع الحب الذي يقدمه الأب. إنها عملية تستمر مدى الحياة، ولكن مع الدعم والأدوات المناسبة، ومع الصبر، فمن الممكن تماماً التعافي من فقد الأب، ومع ذلك، فإنه من المهم أن نتذكر أن الحزن والألم لا يذهبان بعيداً، بل فقط يتغيران.
تأثير غياب الأب على البنت يمكن علاجه وتداركه, إذ يمكن لابنة تخلى عنها والدها أن تكبر، وتزدهر، وتتعلم، وتتفوق، وتنجح، وأن تُحب وتُحَبَّ، وأن تعيش حياة رائعة عندما تدرك أن المشكلة لا تخصها، وأن المشكلة كان يعانيها هو، هذه هي الخطوة الأولى نحو الشفاء.