صحــــتك

فوائد وأضرار التنفيس الانفعالي

فوائد وأضرار التنفيس الانفعالي
بحكم احتكاكنا اليومي مع الناس؛ سواء في العمل أو السوق أو مع الجيران، فإننا قد نتعرض لمواقف لا تروق لنا، أو تجعلنا نستاء، أو نشعر بالإحباط وخيبة الأمل من بعض الأقوال أو التصرفات، الأمر الذي يجعلنا نحتقن ونبحث عن وسيلة ننفّس من خلالها عما يجول بداخلنا للمقربين منا.

مما لا شك فيه، أن التنفيس العاطفي له ميزات إيجابية، لكن هناك جوانب سلبية أيضاً، وبشكل عام من الأفضل أن نسمح لأنفسنا بالتعبير عما أصبنا به من إحباط لمن نثق بدلاً من الاحتفاظ به.

سنتناول في هذا المقال بعض إيجابيات وسلبيات التنفيس الانفعالي، وكيف نسيطر على أنفسنا.

* فوائد التنفيس العاطفي
قد تشعر دائماً بالتحسن والتخلص من عبء الاحتقان بعد مشاركة بعض التهديدات أو الإهانات أو المحن أو الظلم مع من تثق بهم، إذْ يمكنك أن تجني من هذا التنفيس الفوائد الآتية:
1- من الأفضل أن تتخلص من المشاعر السلبية بدلاً من الاحتفاظ بها
سواء كان الحزن أو القلق أو الغضب أو الإحباط هو ما قد حلّ بك؛ فإن الاحتفاظ بشكل متكرر بما قد يجب أن يخرج يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمخاطر صحية جمة، سواء الجسدية منها أو العقلية أو العاطفية، ولا يمكن المبالغة في تقدير المشاعر الفورية للارتياح الناتج عن هذا الاستسلام، لكن مما لا شك فيه، في مرحلة ما من حياتك، أنك شعرت بالراحة والعزاء من شخص آخر يدعمك ويصادق عليك عندما شاركته بعضاً من التجارب المزعجة بالنسبة لك.

2- يساعد التنفيس العاطفي على استعادة توازنك
عندما وصلت مشاعرك إلى ذروتها لأنك تركت شيئاً ما سيئاً يصل إليك، فإن القشرة المخية العصبية العليا عندك تفقد بوصلتها، ومع هذا الاختلال، يمكن أن تصبح قدرتك العقلية مضطربة، ولكن إذا كان لديك أحد المقربين الموثوق به لمساعدتك في استعادة السيطرة على هذه المشاعر المضطربة، فستكون قادراً على التفكير بشكل أكثر منطقية، ونأمل أن تتمكن بعد ذلك من مشاهدة الموقف المزعج من منظور أقل مبالغةً فيه.

3- اختيار من تثق به ليساعدك
عندما تكون حريصاً بما يكفي على اختيار من تثق به، فمن المرجح أن تكون استجابتك الودية أفضل، أو على الأقل ليست سيئةً للغاية، إذْ إن شعور القلق من الوحدة في محنتك يقل بشكل كبير من خلال مشاركة مظالمك مع الآخرين، فالبوح بما يختلج في الصدر لشخصٍ تثق به شعور جيد في حد ذاته، لكن ما يمكن أن يساعدك على التحسن هو أن يستمع إليك شخص يبدو أنه يهتم لأمرك فعلاً، لأنه من خلال اهتمام هذا الشخص بقولك بحرارة والتفاعل معه، فإنك ستتخلص من الكثير من مشاعر الإحباط الخاصة بك.

4- حصولك على نصائح
إذا كنت مصدوماً عاطفياً جداً مما حدث لك، فلا يمكنك التفكير بوضوح بما قد تكون قادراً على فعله حيال ذلك، لذلك فإن التنفيس لشخص مقرب منك قد يجعلك في وضع أفضل بكثير، خصوصاً عندما يقترح عليك طرقا لمعالجة إحباطاتك بفعالية، وصحيح، في كثير من الحالات قد لا يكون هناك شيء يمكن القيام به بشأن الموقف (بخلاف امتصاصه)، لكن لنفكر في معنى وصلاحية العبارة التي تقول: "البؤس يُحب المشاركة". إن مجرد قيامك بالتنفيس لشخص رحيم له فائدته الخاصة. وقد يكون صديقك قادراً على اقتراح إجراءات تساعدك على تجاوز حالتك التي أنت فيها.

5- المناقشة من زاوية مختلفة
من الناحية المثالية، يجب أن تكون قادراً على التحرك بشكل مستقل إلى ما وراء المشاعر التي ابتليت بها، ويمكن أن تقوم بذلك عن طريق تغيير الافتراضات السلبية أو التقييمات التي تنسبها من/أو إلى أي شخص آخر، قام بالتحريض على تلك المشاعر، ولكن في بعض الأحيان قد تحتاج إلى التنفيس لشخص لآخر للحصول على المساعدة في إعادة تفسير وتقييم ما اتخذته شخصياً، وهل هو تصور خاطئ أم لا؟، وقد تتعلق مشاعرك المفرطة بالتحديد بالقلق والخوف، والشعور بالذنب والخجل، والحزن أو اليأس، أو الغضب. ولكن على أي حال، قد يكون من المفيد للغاية أن يساعدك شخص آخر - له وجهة نظره المختلفة - على تخفيف هذه المشاعر المقلقة أو التخلص منها أو حلها.

6- القيام بردّ فعلٍ حكيم
قد تؤدي مواجهتك مباشرة لمصدر إحباطاتك إلى تعريضك لخطر جسيم (مثل طردك من العمل)، وقد يكون الحق معك تماماً في رد فعلك، لكن هناك العديد من المواقف التي تعد خطرة للغاية لو قمنا بها، وفي مثل هذه السيناريوهات، قد يكون من دواعي الارتياح الشديد أن تتكلم مع شخص على الأقل في الزاوية التي تعرف أنها آمنة بالنسبة لك.

7- القبول بحقيقة ضغوط الحياة
يشجع علم النفس الإيجابي على اتباع نهج إيجابي في الحياة، والمرونة في مواجهة العقبات وضبط الرؤية من أجل القيام بذلك، ومع ذلك، فإن القبول بوجود حقائق قاسية في الحياة جزء لا يتجزأ من المضي قدماً في الحياة، ويجب أن نفكر بقبول ذلك، إذْ يمكن للحياة أن توجه لنا ضربات موجعة أحياناً ولا تسير كما نشتهي ونرغب، وعلينا قبول وجود أمور تتجاوز نطاق سيطرتنا عليها، لذلك من الجيد أن نعترف بأن خبراتنا قليلة وأن القبول أمر أساسي.






* أضرار التنفيس العاطفي
إن اقتصار التنفيس العاطفي على تكرار رسائل التبرير الذاتي، والتي يمكن أن تكون محدودة بحد ذاتها، إضافةً لسوء استخدام هذه الطريقة (وهو أمر شائع جداً)، ويمكن أن يرتبط بشكل كبير بهزيمة نفسية، والادعاء بأن الشخص "ضحية"، وعلى هذا النحو، يمكن أن يجد الشخص أكثر من ذريعة لعدم التصرف وحل المشكلة أو مواجهتها كما يجب، وسنورد فيما يأتي مجموعة من أضرار التنفيس العاطفي إذا لم يعالج بطريقة صحيحة.
1- يمكن أن يضر بعلاقاتك أو حتى يدمرها
إذا كنت تعتمد عادةً على شخص آخر للتنفيس عن المشاعر السلبية، فقد تستنفد في النهاية صبره عليك، وتجعله يفكّر بأن رغباته واحتياجاته ومشاعره أقل أهمية بالنسبة لك، وإذا بدأ، بشكل روتيني، بالشعور بأنك تستخدمه - أو حتى تستغله - في مرحلة ما، فقد يرفض الاستمرار بالاستماع لشكواك لاحقاً، إذْ بعد أن سمع ما يكفي من إحباطاتك أو إخفاقاتك، فقد يختار تحرير نفسه من هذه الطاقة السلبية التي تنقلها إليه، لذا، فإن توجيه مشاعرك المثيرة للقلق بانتظام تجاه صديق أو الشخص نفسه (الذي لم يكن له أي علاقة في معظم الحالات بمشاكلك) قد يهدد هذه العلاقة بشكل خطير.

2- لا تنفّس لمصدر إزعاجك
يمكن أن يؤدي اختيارك للتنفيس العاطفي مباشرة إلى الأشخاص الذين أزعجوك إلى زيادة مستوى ضررك، إذْ بناءً على استجابتهم - يمكنك عموماً الافتراض أن هؤلاء الأفراد إما غير حساسين لمشاعرك أو بصراحة لا يهتمون بها كثيراً - من المرجح أن تشعر بأسوأ مما شعرت به قبل مواجهتهم، وضع في اعتبارك أن العديد من الأشخاص (إن لم يكن معظمهم) من المرجح أن يقوموا برد فعل دفاعي مباشر عندما يشعرون بأنهم يُنتقدون أو "يهاجمون".

وقد تتسبب جهودهم في مواجهتك بتفاقم إحباطاتك في معظم الحالات، لذلك من الحماقة أن تتوقع أن يتفاعل هؤلاء الأشخاص بفهم داعم لشكواك العاطفية، خاصة أنهم قد يشعرون بالحساسية منك، وما يجب أن تخشاه من خلال هذه المواجهة مع مصدر الإزعاج هو احتمال أن يتحول تنفيسك إلى عدوان لفظي ثم ينتقل إلى شيء مادي. عندها خذ في الاعتبار التداعيات السلبية الخطيرة التي يمكن أن تترتب على مثل هذه التصرفات غير المضبوطة.

3- فكّر بالبدائل الفعالة
قد تشعر بأن التنفيس العاطفي قد يحل المشكلة تقريباً؛ لذلك تقوم ببث شكواك، ولكن إذا كانت هناك طرق قابلة للتطبيق بشكل فعال لمواجهة المشكلة فعلياً - وكانت المشكلة تحتاج إلى مواجهتها - فإن مجرد التنفيس يعد بديلاً ضعيفاً لاتخاذ الإجراءات المناسبة، وفي الواقع، في العديد من الحالات، قد يكون للتنفيس، عن طريق التخفيف الجزئي من محنتك، نتائج عكسية من خلال جعلك أقل عرضة للتصرف بشكل بناء، ومن المفارقات أن مثل هذا التنفيس، الذي يفسح مجالاً للتعبير عن الذات، يمكن أن يغلق أيضاً بطرق قد تكون في النهاية ضارة بك.

وفي هذا الصدد، ليس من قبيل الصدفة أن يقال إنّ التنفيس العاطفي يرتبط أحياناً بالجبن والخوف من التصدي للمشكلة.

4- يفقدك القدرة على التواصل
يمكن أن يكون التنفيس وسيلة لإنكار أي مسؤولية شخصية عن الموقف المقلق لك، وقد يكون من المريح أن ترى نفسك ضحيةً لظلم شخص آخر، لكنه قد يكشف لك عن وجود ثغرة في طريقة تواصلك مع الآخرين، وإذا لم تتنبه لهذه النقطة وتعالجها، فإن التنفيس العاطفي لن يشجع أي نوع من الاتصالات "العلاجية" اللاحقة بينك وبين "مرتكب الجريمة بحقك" المزعوم، وستتسع الهوة بينكما أكثر من ذلك.

5- الركون للغضب
على الرغم من أن التنفيس يُنظر إليه غالباً على أنه أمر جيد، لأنه قد يؤدي إلى تحرير عاطفي كبير، ولكن إذا تم ذلك مع الشخص (أو الأشخاص) الخطأ أو بالكثير من العنف، فإنه يمكن أيضاً أن يأتي بنتائج عكسية، ويمكن للتنفيس الغاضب، على وجه الخصوص، استعداء الآخر لك وبالتالي تأزيم الوضع بدلاً من حله.

6- الدخول بدوامة التوتر اللانهائية
لدى تنفيسك عن إحباطك أو غضبك بشكل منتظم، فإنك تصبح أكثر مهارة فيه، لكن هذا سيجعلك أكثر عرضة للانزعاج من خيبات الأمل في المستقبل، وبالتالي فإن التنفيس العاطفي قد يؤدي بك لبدء حياة أكثر توتراً وإزعاجاً مما كانت عليه، وإذا كنت تستخدم التنفيس مراراً وتكراراً لتبرير صحتك النفسية – وبالتالي جعل هذا النمط تلقائياً كما لو أنه يعزز ذاتياً - يمكنك أن ترى كيف سيزيد بالفعل من احتمالات نهايتك لتقع فريسةً للتوتر الشديد، إن لم يكن البؤس التام.





* كيف نحصل على الفوائد ونتجنب الأضرار؟
يعد وضع قيود على عدد مرات التنفيس العاطفي ومقدار التنفيس في كل مرة طريقة جيدة لضمان حصولك على الفوائد بعيداً عن الأضرار السلبية، والمؤشر الجيد هو أن تنفّس بشكل معقول عندما تبث شكواك (من شخص أو موقف) للشخص الذي تثق به.

فإذا كان تنفيسك معقولاً فإنه سيكون مفيداً للأسباب المذكورة أعلاه، وإذا كان يزيد عن حدود المعقولية، فمن المحتمل أن تدخل المنطقة الحمراء وتصبح مزعجاً له وبالتالي تفقد استماعه لك.

ويجب ملاحظة أن تقليل التنفيس على المستمع المتعاطف معك لا يعني أنه يجب عدم الحديث عن الشخص أو الموقف المحبط إلى الشخص، وإنما يجب أن يكون نقاشك مركزاً على كيفية التعامل مع الشخص أو الموقف المحبط بدلاً من التركيز على مدى إحباطك، وسيساعدك هذا في التركيز على إيجاد استراتيجيات لتقليل إحباطاتك تجاه الشخص أو الموقف في المستقبل.

* خلاصة القول
يساعدنا التنفيس العاطفي لشخصٍ ما نثق به في بعض الأحيان بالحصول على راحة نفسية، ولكنه قد يكون في أحيانٍ أخرى سيئاً للغاية إذا لم يوجه بشكل صحيح أو زاد عن الحد.

وبينما قد يكون هناك خط فاصل بين انفراج الأسارير والتخلص من السخرية والحساسية، إلا أن عملية مشاركة الهموم والضغوط مع شخصٍ آخر موثوق به يمكن أن تكون آلية صحية كثيراً ما يفضل اللجوء إليها بشكل معتدل.

ولا ننس أن بثّ شكوانا إلى الله – العليم بحالنا - وتفويض الأمر إليه يبقى السند والمرتكز الأول والأخير، وأن نحرص على ترك "شعرة معاوية" بيننا وبين الآخرين.



المصادر
6 Virtues, and 6 Vices, of Venting
Benefits of Venting Go Both Ways
To vent or not to vent: That is the question

آخر تعديل بتاريخ
07 مارس 2020
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.