في هذا العالم، هناك من يقضي حياته بحثًا عن نصفه الآخر الذي يحبه؛ ليرتبط معه تحت سقف عُرِف اسمه الزواج، وهناك من يجد في الالتزام مع الآخر في علاقة طويلة الأمد رُهابا ما بعده رُهاب، ويُطلَق على هذه الحالة اسم رُهاب الزواج Gamophobia، فهذا المصطلح مؤلَّف من كلمتين: غاموس Gamos التي تعني الزواج، وفوبيا phobia التي تعني الرُّهاب (الخوف)، من هنا فإن الغاموفوبيا تشير إلى رُهاب الزواج أو الخوف من الزواج.
ما هو رُهاب الزواج؟
رُهاب الزواج هو خوف عارم ودائم ومستمر وغير منطقي من الزواج، ولعل السمة البارزة لأولئك الذين يعانون من رهاب الزواج أنهم غير قادرين على تكوين علاقات حميمية طويلة الأمد، ويَقلقون باستمرار بشأن انتهاء العلاقة، وتراهم دومًا يحاولون، أو بالأحرى يعملون، على تجنّب أية مواقف أو دردشات أو محادثات أو رؤية صور، تشير من قريب أو من بعيد إلى الزواج، وإذا ما تم إجبارهم على الخوض فيها، فإن القلق الشديد قد يصيبهم، وربما يصابون بنوبات من الذعر قد تدفعهم إلى الشعور بالذنب.
غالبًا ما يكون الأشخاص الذين يعانون من رُهاب الزواج قادرين على الدخول في علاقات، ولكن، وبمجرد أن تصبح الأمور جدية “يشمعون الخيط" كما يُقال في اللغة الدارجة، ويشعرون بالقلق والذعر. في المقابل، يخشى البعض الآخر الالتزامَ مع الطرف الآخر، فيتجنب التورط في أي علاقات.
ما مدى شيوع رُهاب الزواج؟
لا توجد إحصاءات فردية متاحة توضح عدد الذين يعانون من رهاب معيَّن كرهاب الزواج، لأن كثيرين منهم يحتفظون به لأنفسهم، ولا يبوحون به لأحد، أو قد لا يُدركون بأنهم مصابون به أصلًا، أو بكل بساطة قد يتم تشخيصهم خطًأ. تشير التقديرات إلى أن 1 من كل 10 أميركيين بالغين، و1 من كل 5 مراهقين سوف يتعاملون من رهاب معيَّن في مرحلة ما من حياتهم.
مَن هم الأشخاص الأكثر عُرضة لخطر رهاب الزواج؟
- الأشخاص الذين لديهم طفرات جينية، تشير البحوث الأولية إلى أن بعض الأشخاص لديهم طفرات جينية يمكنها أن تزيد من خطر الإصابة بالقلق والاضطرابات الرهابية مثل رهاب الزواج.
- الأشخاص الذين يملكون تاريخًا عائليًا، إذا كان أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة يعاني من فوبيا معيَّنة، أو من اضطرابات القلق، فقد تؤدي هذه إلى تطوير مخاوف مماثلة.
- يميل الأشخاص الذين يصنَّفون على أنهم أنثى عند الولادة في أغلب الأحيان إلى تطوير اضطرابات رهابية محددة، أكثر من أولئك الذين تم تحديدهم كذكر عند الولادة.
- الأشخاص الذين يشكّون من اضطرابات في الشخصية disorders personality مثل اضطراب الشخصية الحدية borderline personality disorder، فهؤلاء قد يرفضون الالتزام بسبب خوفهم الشديد من التعرض للرفض أو التخلي عنهم، وغالبًا ما يكون لدى هؤلاء مشكلات، مثل ضعف الثقة بالنفس، وضعف في القدرة الجنسية، وضعف في صورة الذات، وعدم الاستقرار في العلاقات.
- الأشخاص الذين يملكون تاريخًا عائليًا بوجود واقعة مؤلمة في مرحلة الطفولة، مثل الشجار المستمر بين الوالدين، أو الطلاق، وسوء المعاملة، ووجود قصص زواج فاشلة وغير ناجحة، فمثل هذه الأشياء تغرس صورًا سلبية في الدماغ قد تكون مسؤولة عن إشعال فتيل رهاب الزواج.
- الأشخاص الذين يخافون من المسؤولية، مثل الخوف من الأعباء التي يمكن أن يلقيها الزواج على عاتق الشخص، وما قد يترتب عنها من مخاطر عديدة، شخصية ومالية واجتماعية، كلها قد تكون سببًا في نشوء رهاب الزواج.
الأسباب المحتملة لرهاب الزواج
كثيرا ما يعزو الأشخاص المصابون برهاب الزواج مشكلتَهم إلى تجارب صادمة حصلت لهم في الماضي، من هنا، فإن العزوف عن الزواج قد يكون كرد فعل وقائي. قد يكون رهاب الزواج ليس ناجمًا عن سبب واحد، بل عن خلطة من الأسباب المحتملة، التي تشمل ما يلي:
- كثرة الخلافات بين الوالدين أو بين الأقارب الآخرين.
- طلاق الوالدين المثير للجدل في مرحلة الطفولة.
- تجارب زواج فاشلة أو غير ناجحة، فالبالغون الذين عانوا من وجع القلب بسبب الانفصال أو الطلاق أو الخيانة الزوجية، قد يخجلون من التورط في علاقة زوجية مرة أخرى.
- الخوف من الضياع والالتزام مع الشخص الخطأ بدلًا من الشخص الصحيح.
- الخوف من الهجر، قد يخشى الشخص الذي تم إهماله وهجره من قبل أحد الوالدَين أو من الشريك السابق، التخلي عنه في المستقبل.
- الخوف من انتهاء العلاقة أو من الشعور بالفشل.
- الخوف من الشعور بالحصار أو فقدان الحرية أو الاستقلال.
- الخوف من خسارة الوقت مع الأهل والأصدقاء، ومن قضاء وقت أقل لممارسة الهوايات.
- قد تقف بعض الأسباب الثقافية والدينية حَجَرَ عثرة أمام الاتحاد بين شخصين.
أنواع أخرى من الرهاب ترتبط برهاب الزواج
قد يوجد لدى كثير من الأشخاص الذين يعانون من رهاب الزواج أكثر من رهاب، إلى جانب رهاب الزواج مثل:
- الخوف من الوقوع في الحب philophobia.
- الخوف من الوثوق بالآخرين pistanthrophobia.
- الخوف من العلاقة الجنسية الحميمية genophobia.
- الخوف من البقاء أعزبًا anuptaphobia.
- الخوف الشديد من الفشل atychipophobia.
- الخوف من الوحدة Autophobia.
- الخوف من السعادة Cherphobia.
- الخوف من الهجر.
أعراض رهاب الزواج
يمكن أن يؤدي رهاب الزواج إلى أعراض جسدية وعاطفية وسلوكية، وتختلف هذه الأعراض من شخص إلى آخر في عددها، وفي طريقة ظهورها، وفي شدتها. قد تكون الأعراض خفيفة لدى البعض، في حين أنها تكون شديدة لدى البعض الآخر، وذلك تبعا للمحفزات، والحالة العقلية للشخص، ومدى إدراكه للمواقف التي تعترضه. قد تتضمن أعراض رهاب الزواج ما يلي:
- الخوف والقلق والذعر.
- الاكتئاب.
- عدم القدرة على التحكم في الخوف.
- تهويل المخاطر المحتملة من إقامة علاقة ما.
- الشعور بالشلل، والتجمد عند مواجهة الالتزام.
- المعاناة من كوابيس متكررة أو مؤلمة عن الالتزام.
- الشعور بالهلاك الوشيك أو الموت الوشيك.
- فقدان الاتصال بالواقع.
- جفاف الفم.
- الهبات الساخنة.
- القشعريرة.
- ضيق التنفس.
- سرعة التنفس.
- فرط التعرق.
- الألم في الصدر.
- خفقان القلب.
- الدوخة.
- الصداع غير العادي.
- صعوبة البلع
- الدوار.
- الشعور بالارتباك.
- الشحوب.
- تشنج العضلات.
- الغثيان.
- عسر الهضم.
كيف يتم تشخيص رهاب الزواج؟
لا يوجد اختبار معيَّن لتشخيص رهاب الزواج، ولكن مقدّمي الرعاية الصحية يلجؤون عادة إلى تقييم الصحة العقلية للمريض من أجل الحصول على معلومات حول الأعراض، والسوابق المَرَضية والعائلية، والمعتقدات السلبية والأفكار والمشاعر المتعلقة بالالتزام، فإذا جاءت المعلومات متوافقة مع معايير تشخيص رهاب الزواج، فعندها سيتم اقتراح العلاج.
يجدر التنويه هنا إلى أن كثيرًا من حالات رهاب الزواج غير مشخّصة، لأن الناس لا يَعرفون أن هناك شيئًا اسمه رهاب الزواج، كما أن كثيرين لا يدركون أن هناك علاجات ناجحة ومتاحة للرهاب، لذلك لا يسعون إلى الاستشارة من أجل تشخيص حالتهم، عدا هذا وذاك، فإن هناك من الناس من يجعل رُهابه أكثر قابلية للإدارة فيتعايش معه وكأنه شيء طبيعي.
هل لرهاب الزواج مضاعفات؟
قد يؤثّر التهرب وعدم التواصل مع الأشخاص الذين تحبهم وتريد بناء علاقة معهم بشكل مستمر سلبًا على الصحة العقلية والجسدية للشخص المصاب برهاب الزواج، من هنا فإن مضاعفات لا يُحمَد عقباها قد تلوح في الأفق:
- الإصابة بالاكتئاب.
- الإصابة باضطراب القلق ونوبات الذعر.
- عدم القدرة على تكوين صداقات مع الآخرين.
- ظهور صعوبات على صعيد العلاقات الاجتماعية والمهنية.
- نشوء أفكار انتحارية.
- الضعف الجنسي.
- الإدمان على المخدرات.
ما هو علاج رهاب الزواج؟
يعتمد العلاج على عدة عوامل، مثل شدة وحدة الأعراض، ومعدل تكرارها، وماهية السبب الكامن وراءها، ومدى تأثير الرهاب على الحياة اليومية. يشكّل فهم أصول وأسباب رهاب الزواج مدخلًا لوضع استراتيجيات علاجية مناسبة وفعّالة تضم ما يلي:
وهو نوع من العلاج النفسي الذي يهدف إلى تقديم المساعدة إلى الأشخاص من أجل التغلب على رهاب الزواج، وهو علاج فعال، يحاول الطبيب من خلاله استكشاف السبب أو الأسباب الكامنة التي تقف وراء الأفكار والتصورات والمشاعر والسلوكيات السلبية الضارة المتعلقة بالالتزام، والعمل على تحويلها إلى أفكار وتصورات ومشاعر وسلوكيات إيجابية. أيضاً، يحاول المعالِج السلوكي تعليم المرضى أفضلَ الطرق حول كيفية التواصل مع الأحباء ليكونوا على دراية بقصة رهاب الزواج، الأمر الذي يعطي نتائج إيجابية ملموسة على صعيد الشفاء وتسريع الوصول إليه.
- العلاج بالتعرض Exposure therapy
وهو نوع آخر من العلاج النفسي يتم فيه تعريض المريض بشكل تدريجي ومنتظم لحالة أو مواقف مشابهة للزواج، أو قد يضع الطبيب موضوع الزواج على طاولة الحوار مع مريضه، وإذا لزم الأمر، قد يتخلل هذا النقاش تدخل الطبيب المعالِج على خط الدردشة لكي يضبط المصاب أعصابه، ويحافظ على هدوئه واسترخائه خلال الجلسة، بهدف تطوير قدراته والتغلب على مخاوفه.
يَستخدِم فيه المعالِج مجموعة من تقنيات الاسترخاء الموجهة التي تهدف إلى تغيير معتقدات المريض وأنماط تفكيره، لمساعدته على إدارة خوفه والتغلب على مشاعره وتصوراته السلبية عن الزواج.
- العلاج الدوائي
لا يوصَف الدواء عادة كخيار علاجي مستقل لرهاب الزواج، ولكن قد يلجأ مقدم الرعاية الصحية إليه كعلاج مكمل للعلاجات الأخرى السالفة الذكر، خاصة في حال معاناة المريض من مشكلات رهابية أخرى، مثل اضطراب القلق والاكتئاب، ففي هذا الإطار، تُوصَف الأدوية المضادة للاكتئاب وربما الأدوية المضادة للقلق.
مسك الكلام
إن رهاب الزواج هو خوف مُفْرِط وغير منطقي من شيء لا يُنتِج في الواقع سوى القليل من الخطر. يُدرك الشخص أن خوفه غير منطقي، وأنه قد لا يستطيع السيطرة عليه، ولكنه يبذل قصارى جهده لتفادي الالتزام مع شريك آخر. إذا كان مجرد التفكير في الزواج يُعجّل من ضربات قلبك، ويثير لديك قلقاً شديداً، ويسبب لك التعرق والدوار والدوخة والهلع، فليس مستبعدًا أنك تعاني من مشكلة رهاب الزواج. للتغلب على هذه المشكلة، فإن أول شيء عليك القيام به هو أن تدرك بأنك في حالة تحتاج إلى طلب المساعدة من مقدمي الرعاية في الصحة العقلية، الذين لن يبخلوا عليك في تقديم العلاج المناسب.
المصادر: