تختلف احتياجات الإنسان منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا باختلاف الزمان والمكان والثقافة، فحيثما ذهبت وجدت عادات وتقاليد تختلف بشكل جذري عن الأخرى، تختلف أصناف الأطعمة والألبسة وغيرهما، لكن تظل بعض الاحتياجات الإنسانية التي تقيم حياته ثابتة في كل مكان وزمان، منها الرغبة في الإنجاب والتكاثر وغريزة البقاء.
عدم القدرة على الإنجاب قد تبدو أكبر مما نتخيله، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة 10-15٪ من الأزواج في سن الإنجاب مصابون بعدم الخصوبة، وبناء عليه فإن نسب المترددين على المستشفيات لطلب المساعدة في الإنجاب زاد بنسبة كبيرة في العقد الأخير.
تشير دراسة أجريت على قرابة 500 امرأة منهن 149 غير قادرات على الإنجاب، أن التأثيرات النفسية (مثل الاكتئاب والقلق والضغط العصبي) التي تخلفها عدم القدرة على الإنجاب تساوي تلك التي تنتج عن أمراض السرطان والآلآم المزمنة والإصابة بفيروس المناعة الإيدز، ولذلك لا بد من أخذ تلك التأثيرات وعمل برامج نفسية للائي يعانين من عدم الخصوبة.
ما هي الأسباب الرئيسية التي تتسبب في المشاكل النفسية لعدم القادرات على الإنجاب؟
في أغلب الأوقات، لا تفصح النساء اللواتي لا ينجبن عن شعورهن بالحزن ورغبتهن في الحصول على طفل، مما يسبب حدوث بعض التبعات مثل الشعور بالخجل الذي تعززه بعض المجتمعات وعدم الثقة في النفس والشعور بالذنب تجاه الزوج.
تؤدي تلك المشاعر السلبية والتي في أغلب الحالات لا يتم الإفصاح عنها إلى العديد من المشاكل النفسية والعاطفية مثل الغضب والاكتئاب والقلق والمشاكل الزوجية والضعف الجنسي والعزلة الاجتماعية وشعور عدم الجدوى من الحياة، والتي إذا لم تطلب فيها الزوجة المساعدة الطبية أو النفسية، فقد تدخل في دائرة مفرغة من الحزن لا تنتهي بل تتزايد تأثيراتها مع الوقت.
عدم التوقع هو الصدمة الأولى
على الرغم من أن نسبة 10-15٪ من المتزوجين يعانون من عدم القدرة على الإنجاب، إلا أن توقع كل الأزواج حدوث الحمل حيال رغبتهم في ذلك تكون هي الصدمة الأولى لأولئك الذين يعانون من عدم الإنجاب.
من الممكن تعريف عدم القدرة علي الإنجاب على أنها هي الاستمرارية في العلاقة الزوجية لمدة تزيد عن عام بشكل منتظم دون حدوث حمل، فتزداد الصدمة عند الأزواج خاصة عند اتباعهم للتعليمات الطبية والمواظبة على بعض الوسائل المساعدة والمنظمة لعملية الإنجاب.
كيف تتولد التأثيرات النفسية الضاغطة في حالة عدم الحمل؟
1. سأتركك حتى يتثنى لك الفرصة في الحصول على طفل من شريك آخر
عندما يتعرف أحد الزوجين على أنه الطرف الذي يكون سبباً في عدم القدرة على حدوث الحمل، فأغلبهم/أغلبهن يفكرون في ترك الشريك حتى يتمكن من الحصول على طفل من شريك آخر، بل هناك احتمالية كبيرة بالشعور بالذنب حتى حين يصر الطرف الآخر على الاستمرار في العلاقة الزوجية. ومن تلك النقطة تبدأ رحلة المعاناة التي تتواجد داخل أحد أطراف العلاقة من الشعور بالذنب ثم الاكتئاب ثم الضغط النفسي المستمر، خاصة إذا كانت هناك خطط مسبقة للحصول على عدد معين من الأطفال.
2. الاكتئاب
والاكتئاب في عدم القدرة على الإنجاب يحمل أشكالا مختلفة، والذي قد يحدث بشكل دوري في فترات العلاج والأدوية التي تتعاطى بشكل شهري، فتنبع الحاجة في حدوث الحمل مع أوقات تعاطي الأدوية.
أيضاً، هناك بعض الأوقات التي تشعر فيها المرأة أنها تحت ضغط نفسي مثل بعض التجمعات العائلية وحالات الحمل في الدوائر الاجتماعية المحيطة، وهذا لا يشترط أبداً أن تكون الزوجة يختلج في نفسها شيء من الحقد على الآخرين، بل هي الرغبة الإنسانية في الحصول على الأمور البدائية المتوقعة الحادثة لأغلب المحيطين بسهولة ويسر.
3. الغضب
تتزايد تلك المشاعر بشكل كبير أثناء الفترات التي يتناوب فيها الزوجان على الأطباء بشكل متكرر أو أثناء فترات العلاج أو تلك الأوقات التي تتطلب بعض التدخلات الجراحية أو عن طريق الجراحات بالمناظير، خاصة عندما يتراءى لها أن المحيطين يفعلون ذلك بكل سهولة أو دون مجهود، أو عندما تسمع تذمر بعض الأمهات أو الأباء من المجهودات الكبيرة التي يفعلونها مع أبنائهم ومدى معاناتهم، ويصير السؤال الذي يطرح نفسه في تلك الأوقات، لماذا أنا؟ لماذا نحن؟
4. فقدان الثقة في النفس
الشخص المصاب بالعقم يفقد الثقة بنفسه من خلال المحاولات المتكررة لتحقيق الهدف المنشود (إنجاب طفل) ولكنه يفشل في تحقيقه. عند فشل الحصول على طفل، فيبدأ ذلك الشعور في تآكل تقديرهم لذاتهم. يمكن أن تكون المشكلة أسوأ بشكل ملحوظ عندما يكون الفرد ناجحًا للغاية في مجالات أخرى من الحياة ولم يطور مهارات التأقلم للتعامل مع الفشل والخسارة.
5. علاقة حميمية متوترة
لاحظ العديد من الكتاب أن الأزواج الذين يعانون من العقم يواجهون صعوبات جنسية. الجنس قد يصبح تذكيرًا بفشل الزوجين في إنجاب طفل.
أيضاً التداخل من قبل الطواقم الطبية يشعر الكثير من الأزواج بالتطفل المتزايد على العادات الجنسية للأزواج من خلال توصية الفريق الطبي للجماع الموقوت أو الجماع المتكرر أو الجماع المحدود قد يجعل الجنس يبدو وكأنه عمل روتيني، مما سيزيد من الضغوطات التي يشعر بها الزوجان أثناء العلاقة الحميمية.
6. الشعور بالوحدة
كما عبر أحد المشاركين في دراسة أجريت لتقييم تأثيرات العقم على النساء، قالت إحداهن "بيتي صامت من الصباح إلى الليل، لذا أحيانًا أتحدث إلى نفسي خوفًا من أن أكون غبية". تشعر المشاركات اللاتي يحصلن على دعم عاطفي من عائلاتهن، وخاصة من أزواجهن، بالذنب لعدم قدرتهن على جعل الزوج أبا لطفل. كما قالت إحدى المشاركات "لقد اختبرت زوجي عدة مرات فهو لطيف جدًا ولا يلومني أبدًا كامرأة عقيم. هذا يسبب باستمرار شعوري بالذنب لأنني أعتقد أنني مصدر بؤسه في هذا الصدد".
7. الضغوطات المادية وضغوطات العمل
غالباً ما يتكبد الزوجان العديد من الخسارات المالية المحتملة. يمكن أن يكون علاج العقم، خاصة في البلدان التي لا تفرض تغطية تأمينية لعلاج العقم، مكلفًا للغاية، حيث تبلغ تكلفة دورة الإخصاب في المختبر (IVF) في الولايات المتحدة ما بين 10000 دولار و15000 دولار.
أيضاً يقع على عاتق الكثير من النساء جزء كبير بل المحور الأكبر في العلاج، فغالبًا ما يضطررن إلى تفويت قدر كبير من العمل، وهذا قد يعرض عملهن للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يخشون إخبار صاحب العمل بسبب غيابهم، لأن صاحب العمل قد يفترض أن العلاج سيكون ناجحًا وأن المرأة ستترك وظيفتها. إذا افترض صاحب العمل أن المرأة ستترك وظيفتها لإنجاب طفل، فقد تصبح المرأة عرضة للتسريح أو الفصل من العمل.
كيف يمكننا التعامل مع العقم بشكل جيد؟
العقم مشكلة مشتركة بين زوجين
يجب أن يُنظر إلى مشكلة العقم على أنها مشكلة الزوجين بغض النظر عن أي فرد من الزوجين يعاني من المشكلة الطبية، فإن مشكلة العقم لا تزال مشتركة بين الزوجين. لذلك، يجب تشجيع الزوجين على المشاركة معًا في جميع جوانب عملية التقييم والعلاج.
عند التعامل مع المشكلة بهذه الطريقة، سيكون لدى كل فرد من الزوجين فهم أفضل لمطالب الطرف الآخر، وسيكون من المرجح أن يكون دعمًا لشريكه أو شريكها.
تعامل الطبيب مع الزوجين
على الطبيب المعالج أن يناقش القضايا النفسية والاجتماعية مع الزوجين، ليس فقط في الزيارة الأولى ولكن أيضًا في زيارات المتابعة، خاصة عند حدوث تغييرات كبيرة في الاستراتيجية الطبية.
سيسهل ذلك على فريق الرعاية الصحية التركيز على الجوانب الميكانيكية والطبية لعملية علاج وتقييم العقم وتجاهل الجوانب النفسية والاجتماعية. لذلك، من المهم دعوة بسيطة للزوجين لمناقشة مشاعرهما حول عقمهما وحول التقييم والعلاج. على الطبيب تعريف الزوجين بأن الخدمات النفسية متوفرة في حال وجودها في المكان الذي يتم تقديم الخدمة الطبية أو من خلال مكان آخر وأهمية المتابعة والتقييم النفسي لحالة الزوجين.
متابعة مع متخصص في الطب النفسي والصحة العقلية
مواجهة الحقائق والتعامل معها بواقعية هو أحد أهم الأمور التي تقلل من الأعباء النفسية التي تتراكم.
على النساء اللاتي لم يوفقن في الحصول على طفل، قد يكون هناك طرق محتملة ستوفر الحصول على طفل وخاصة في الوقت الحالي التي تتسارع فيها الاكتشافات الطبية يوماً بعد يوم.
لكن، التعامل مع الأزمة وتأثيراتها وعمل متابعة دورية مع طبيب نفسي سيسهل بشكل كبير التعامل مع الاكتئاب والقلق والغضب نتيجة عدم الحمل.
المتابعة في مجموعات علاجية لبعض اللوائي لم ينجحن في الحمل سيخفف الكثير من الآلآم، ويشعرهن بأنهن لا يعانين وحدهن من ذلك، ما سيمكنهن من المضي قدماً في الحياة بطريقة أكثر سهولة وأقل معاناة.