تقول "چويس ماير" إنه لا يسلم أحدنا من بعض الشعور بالرفض، وذلك أننا حين أغوانا الشيطان في الجنة ثم طُردنا منها، بذر في قلوبنا أول بذور الرفض، إحساسنا العميق بالسقوط، واحتياجنا الأصيل بالقبول في البيئة التي ننمو فيها، وحين لا تكون البيئة الراعية مُحِبة وقابلة فإن بذور الرفض تنمو وتصبح لها جذور في عمق القلب.
هناك رأي بين رواد المدرسة التحليلية يقول بأن الطفل يستقبل القبول أو الرفض منذ بداية تخليقه في الرحم، ويتأثر بكونه مرغوباً فيه من عدمه منذ تلك اللحظة، مروراً بمراسم استقباله عند خروجه من جوف الرحم إلى الحياة، الخروج الثاني له من الجنة، فيمتلئ حينها بالجوع للقبول ويسدده بالالتصاق بجسد أمه ومنحها غذاءه لتطمينه.
ينبغي علينا أن نفرّق هنا بين الرسائل الموجهة للفعل Doing، وتلك الموجهة إلى الذات Being، وأدعوك لتراجع رسائلك التي توجها لنفسك والآخرين، هل هي قبول للذات أم الفعل؟ هل تقبل الناس لأنهم جيدون، أم لأن القبول حق أصيل في الحياة.
إن حياتنا منذ الصغر مليئة بالقبول المشروط، فإذا استبعدنا الرفض والقسوة والإساءة سنجد في كثير من الأحيان رسائل متتالية من الشرط، أنت مقبول بشرط.. مقبول بشرط أن تنجح وأن تذاكر وأن تصلي وأن وأن.. كلها رسائل تتوجه إلى الفعل Doing، وليس إلى الذات Being.
إن الطفل الذي لم يشبع لديه احتياج القبول الذاتي يجد نفسه يلهث طوال حياته من أجل الحصول على القبول ولا يجده، لأنه يحاول تسديد احتياجه من القبول بالفعل Doing، ولكن احتياجه الحقيقي إلى قبول ذاته Being لا فعله، والنتيجة هي ما نسميه بالكمالية، وهي عدم الرضا عن العمل إلا في صورة أتم، والرسالة التي تقف خلف هذا التوجه هي "لن أحصل على القبول إلا إن كان العمل في صورة كاملة" فهو لا يسمح لنفسه بالخطأ، وإذا كان في منزلة إدارية فسينعكس ذلك على سلوكه مع مرؤوسيه، بتحميلهم أعباء احتياجه هو غير المشبع، وربما ينتهي به الأمر إلى إدمان العمل.
والتعامل المشروط مع النفس والآخرين ليس أسوأ ما قد يختبره هذا الشخص، بل قد ينعكس هذا التوجه على علاقته بالله، فهو يرى نفسه مقبولاً من الله بشروط، والعكس فهو يقبل الله بشروط، نعم أنا أعني ما قرأت، هو يقبل الله بشرط أن يوافق رؤيته ويحقق رغباته، هل تتذكر معي من الذي وضع داخله في الطفولة هذه الرسالة؟
الشعار الذي يرفعه هذا المسكين دوماً هو "أنا مقبول بشرط".. فضلاً عن أن يكون "أنا غير مقبول"، وذلك بحسب الرسائل التي وصلت في الطفولة، وهذا الشعار يؤثر حتى على استقباله عكس ذلك من الآخرين، فنحن نقبل من الآخرين الرسائل التي نجد داخلنا أننا نستحقها، ويحتاج الأمر خبرة جديدة لتصحيح هذا المعتقد.
دعني أنتقل معك إلى المستوى الثاني من الاحتياج، القبول لصالح الآخر، بمعنى: هل تقبل ابنك لأنه يحقق لك آمالك؟ هل تقبل الناس لأنهم يوافقونك في الرأي؟ هل تقبل الناس لصالحك أم لصالحهم هم؟ أن تقبلني لصالحي يعني أن تقبل اختلافنا دون أن تلزمني بموافقتك لتقبلني، يروى أن "نيتشه" كان يقول: "أنا لا يعجبني رأيك، ولكني لن أتردد في دفع حياتي ثمناً لكي تقوله"، وأنت إذا قرأت القرآن ستجده مليئا بأقوال منكريه، وأذكر هنا قصة نبي الله إبراهيم ﷺ مع الضيف، حين طلب منه إبراهيم أن يبدأ طعامه باسم الله فرفض فمنعه نبي الله من الأكل معه، فنزل جبريل عليه السلام وقال له: "يا إبراهيم، ربك يقرؤك السلام ويقول لك: له سبعون عاماً يكفر بي، وأنا أطعمه وأرزقه، أضقت به في أكلة؟".
الأزمة هنا أننا اعتدنا الخلط بين القبول والرضا، نحن نظن أن رفضنا للآخر ينبع من موقف أخلاقي، والحقيقة أن القبول لا يستلزم الرضا، فيمكنك أن تقبل الآخر دون أن ترضى عنه، وأنا أستطيع القول إن هذا توجه الله ﷻ مع خلقه، فهو يقبلنا جميعاً وإن كان لا يرضى عن الكثير من أفعالنا معه ومع بعضنا البعض.
ردد معي بهدوء
أنا أحتاج
أنا أحتاج للقبول لذاتي
أنا أحتاج للقبول لصالحي
اقرأ أيضا:
احتياجات الطفل.. الطريق إلى السواء النفسي
كيف ينشأ الميل الجنسي المثلي؟.. الصورة الكاملة
عن الاحتياج للحضن
هل تريد أن تخسر ابنك؟.. عن الإساءة النفسية نتحدث
نفسك الحقيقية ونفسك المزيفة
استشارات ذات صلة:
محتاج للحب.. وأحب أي فتاة تهتم بي
أنا ضحية.. أحب زوجي وتعيسة في زواجي
حرمان في الطفولة.. أنت الآن مسؤولة
المصادر
١- ماير چويس، جذور الرفض، بتصرف.
هناك رأي بين رواد المدرسة التحليلية يقول بأن الطفل يستقبل القبول أو الرفض منذ بداية تخليقه في الرحم، ويتأثر بكونه مرغوباً فيه من عدمه منذ تلك اللحظة، مروراً بمراسم استقباله عند خروجه من جوف الرحم إلى الحياة، الخروج الثاني له من الجنة، فيمتلئ حينها بالجوع للقبول ويسدده بالالتصاق بجسد أمه ومنحها غذاءه لتطمينه.
ينبغي علينا أن نفرّق هنا بين الرسائل الموجهة للفعل Doing، وتلك الموجهة إلى الذات Being، وأدعوك لتراجع رسائلك التي توجها لنفسك والآخرين، هل هي قبول للذات أم الفعل؟ هل تقبل الناس لأنهم جيدون، أم لأن القبول حق أصيل في الحياة.
إن حياتنا منذ الصغر مليئة بالقبول المشروط، فإذا استبعدنا الرفض والقسوة والإساءة سنجد في كثير من الأحيان رسائل متتالية من الشرط، أنت مقبول بشرط.. مقبول بشرط أن تنجح وأن تذاكر وأن تصلي وأن وأن.. كلها رسائل تتوجه إلى الفعل Doing، وليس إلى الذات Being.
إن الطفل الذي لم يشبع لديه احتياج القبول الذاتي يجد نفسه يلهث طوال حياته من أجل الحصول على القبول ولا يجده، لأنه يحاول تسديد احتياجه من القبول بالفعل Doing، ولكن احتياجه الحقيقي إلى قبول ذاته Being لا فعله، والنتيجة هي ما نسميه بالكمالية، وهي عدم الرضا عن العمل إلا في صورة أتم، والرسالة التي تقف خلف هذا التوجه هي "لن أحصل على القبول إلا إن كان العمل في صورة كاملة" فهو لا يسمح لنفسه بالخطأ، وإذا كان في منزلة إدارية فسينعكس ذلك على سلوكه مع مرؤوسيه، بتحميلهم أعباء احتياجه هو غير المشبع، وربما ينتهي به الأمر إلى إدمان العمل.
والتعامل المشروط مع النفس والآخرين ليس أسوأ ما قد يختبره هذا الشخص، بل قد ينعكس هذا التوجه على علاقته بالله، فهو يرى نفسه مقبولاً من الله بشروط، والعكس فهو يقبل الله بشروط، نعم أنا أعني ما قرأت، هو يقبل الله بشرط أن يوافق رؤيته ويحقق رغباته، هل تتذكر معي من الذي وضع داخله في الطفولة هذه الرسالة؟
الشعار الذي يرفعه هذا المسكين دوماً هو "أنا مقبول بشرط".. فضلاً عن أن يكون "أنا غير مقبول"، وذلك بحسب الرسائل التي وصلت في الطفولة، وهذا الشعار يؤثر حتى على استقباله عكس ذلك من الآخرين، فنحن نقبل من الآخرين الرسائل التي نجد داخلنا أننا نستحقها، ويحتاج الأمر خبرة جديدة لتصحيح هذا المعتقد.
دعني أنتقل معك إلى المستوى الثاني من الاحتياج، القبول لصالح الآخر، بمعنى: هل تقبل ابنك لأنه يحقق لك آمالك؟ هل تقبل الناس لأنهم يوافقونك في الرأي؟ هل تقبل الناس لصالحك أم لصالحهم هم؟ أن تقبلني لصالحي يعني أن تقبل اختلافنا دون أن تلزمني بموافقتك لتقبلني، يروى أن "نيتشه" كان يقول: "أنا لا يعجبني رأيك، ولكني لن أتردد في دفع حياتي ثمناً لكي تقوله"، وأنت إذا قرأت القرآن ستجده مليئا بأقوال منكريه، وأذكر هنا قصة نبي الله إبراهيم ﷺ مع الضيف، حين طلب منه إبراهيم أن يبدأ طعامه باسم الله فرفض فمنعه نبي الله من الأكل معه، فنزل جبريل عليه السلام وقال له: "يا إبراهيم، ربك يقرؤك السلام ويقول لك: له سبعون عاماً يكفر بي، وأنا أطعمه وأرزقه، أضقت به في أكلة؟".
الأزمة هنا أننا اعتدنا الخلط بين القبول والرضا، نحن نظن أن رفضنا للآخر ينبع من موقف أخلاقي، والحقيقة أن القبول لا يستلزم الرضا، فيمكنك أن تقبل الآخر دون أن ترضى عنه، وأنا أستطيع القول إن هذا توجه الله ﷻ مع خلقه، فهو يقبلنا جميعاً وإن كان لا يرضى عن الكثير من أفعالنا معه ومع بعضنا البعض.
ردد معي بهدوء
أنا أحتاج
أنا أحتاج للقبول لذاتي
أنا أحتاج للقبول لصالحي
اقرأ أيضا:
احتياجات الطفل.. الطريق إلى السواء النفسي
كيف ينشأ الميل الجنسي المثلي؟.. الصورة الكاملة
عن الاحتياج للحضن
هل تريد أن تخسر ابنك؟.. عن الإساءة النفسية نتحدث
نفسك الحقيقية ونفسك المزيفة
استشارات ذات صلة:
محتاج للحب.. وأحب أي فتاة تهتم بي
أنا ضحية.. أحب زوجي وتعيسة في زواجي
حرمان في الطفولة.. أنت الآن مسؤولة
المصادر
١- ماير چويس، جذور الرفض، بتصرف.