هناك صور نمطية عن كبار السن في ثقافتنا وفي حياتنا اليومية، من بينها بعض الأساطير التي تطلق أحكامًا مسبقة تتعلق بالشيخوخة، ولا أساس لها من الصحة في كثير من الأحيان. نحاول في هذه المقالة إلقاء نظرة خاطفة على عدد من الأساطير المتداولة حول كبار السن، علَّنا نفلح في تحرير العقول من المفاهيم الخاطئة المتعلقة بها.
1. التدهور الجسدي أمر لا مهرب منه
هذا الكلام ليس صحيحًا تمامًا، لا شك أنه عندما نتقدم في مشوار العمر، تحصل في الجسم تغيرات طارئة جراء التلف الناجم عن استخدام أعضاء الجسم وعضلاته لعقود طويلة، مثل تراجع القوة، وزيادة الشحوم، وارتفاع ضغط الدم، وانخفاض الكثافة العظمية وغيرها، ولكن ليس ضروريًا أن يكون التدهور الذي يتعرض له الجسد تدهورًا كاملًا، ففي كثير من الأحيان يمكن إبطاء التدهور والضعف، أو إبطاء بعضه، من خلال زيادة النشاط البدني، والمثابرة عليه، والتغذية السليمة، إلى جانب تبني تصورات نفسية إيجابية عن الشيخوخة.
2. التدهور المعرفي أمر لا مفر منه
غير صحيح، فالتدهور المعرفي ليس حتميًا، خاصة وأن هناك طرقًا تساهم في التقليل من مخاطر حدوثه، والدليل على هذا، التقرير الذي أسفرت عنه الدراسة التي قامت بها جمعية الزهايمر في عام 2015 من أجل تقييم الأدلة حول عوامل الخطر القابلة للتعديل الخاصة بكل من الخرف والتدهور المعرفي. أشار التقرير، الذي قُدم أمام مجلس الخرف العالمي، إلى وجود دلائل كافية تدعم العلاقة بين مجموعة من عوامل الخطر القابلة للتعديل وانخفاض خطر تطور التدهور المعرفي.
ومن بين العوامل القابلة للتعديل التي حددتها الرابطة: الحفاظ على النشاط البدني المستمر، والسيطرة على عوامل الخطر القلبية الوعائية، مثل السمنة، والداء السكري، والتدخين، وارتفاع ضغط الدم.
ووجد الباحثون أن اتباع نظام غذائي صحي، والمثابرة على التعلم، وممارسة النشاط العقلي، أمورٌ لها دورها في خفض تطور التدهور المعرفي.
3. الشيخوخة تعني نهاية الحياة الجنسية
يعتقد البعض، إن لم نقل الكل، ألا مكان للجنس في حياة المسنين، لأنهم يفقدون القدرة على ممارسته، لعجز أعضائهم عن القيام بمهمتها، يا لها من أسطورة كاذبة بامتياز. صحيح أن هناك مشكلات صحية شائعة قد تحصل، مثل ضعف الرغبة الجنسية، وضعف الانتصاب، وجفاف المهبل، وهي مشكلات يمكنها أن تؤثر على الحياة الجنسية، ولكن، ولحسن الحظ، هناك الكثير من الخيارات العلاجية التي تصنع المعجزات للحفاظ على الحياة الجنسية. قد تكون ممارسة الجنس عند كبار السن أقل سرعة وصخبًا، ولكن هذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا.
4. على كبار السن أن يتجنبوا ممارسة الرياضة
لا تزال هذه الأسطورة تسرح وتمرح في عقول بعض كبار السن وغيرهم، لاعتقادهم بعدم جدوى ممارسة الرياضة في سن الشيخوخة، مع أنها غير صحيحة على الإطلاق، وأنه بمقدور الغالبية العظمى من كبار السن أن ينخرطوا في نوع من أنواع الرياضات المناسبة لهم.
أظهرت دراسات أن النشاط البدني للمسنين يعزز من قوة وحجم العضلات لديهم، ويقلل من تكدس الدهون، ويحسن من الصحة الذهنية، ويحمي من مخاطر التعرض لأمراض كثيرة، من بينها داء الزهايمر.
عدا هذا وذاك، فقد أوضحت الدراسات أن النشاط البدني للمسنين يمَكِّنهم من التعامل مع بعض الأمراض المزمنة، ومن الحفاظ على الصحة العقلية والجسدية، ويحسن من عملية التوازن والاستقرار، ما يمكنهم من تجنب مخاطر تعرضهم للسقوط.
5. يحتاج كبار السن إلى نوم أقل
مع التقدم في رحاب الشيخوخة، قد يواجه الناس صعوبات على صعيد النوم والاستمرار به، من هنا جاءت أسطورة أن المسنين بحاجة إلى ساعات نوم أقل، مع أنها في الواقع أسطورة خاطئة، فكبار السن يحتاجون إلى نفس القدر من النوم الذي يحتاجه غيرهم من البالغين، أي أنهم يحتاجون من 7 إلى 9 ساعات نوم يوميًا، فالنوم الجيد له فوائد كثيرة، لأنه يحسّن الصحة العقلية والجسدية، ويبقي صاحبه منتبهاً في النهار، وفي صحة جيدة.
يشكو كبار السن من أن نومهم خفيف، ويستغرقون وقتًا أطول للنوم، ناهيكم عن اليقظات المتكررة ليلا، من هنا، يُنصح هؤلاء بأهمية الذهاب إلى النوم في نفس الوقت كل ليلة، وممارسة تمارين الاسترخاء قبل النوم، والنوم في غرفة باردة، وفي ظلام كامل.
6. لا فائدة من الإقلاع عن التدخين
مَن منا لم يسمع لمسنٍ يدخن قولَه: "أنا كبير في السن، ولا فائدة من ترك التدخين، لأنه قد فات الأوان". إن هذه المقولة غير صحيحة البتة، وهي -بكل بساطة- عذر أقبح من ذنب. أيًا كان عمر المدخن، صغيرًا أو كبيرًا، أو طاعنًا في السن، فإن ترك التدخين سيجلب لصاحبه فوائد صحية، بعضها فوري، وبعضها الآخر سيحصل بعد حين، وذلك بغض النظر عن مدة التدخين، وعدد السجائر التي تم تدخينها في اليوم، فالصحة ستتحسن بمجرد الإقلاع عن التدخين.
7. هشاشة العظام مرض نسائي بحت
الهشاشة هي مرض يصيب العظام بشكل تدريجي، ما يجعلها هشة ضعيفة، قابلة للكسر بسهولة. يعتقد البعض أن داء هشاشة العظام يصيب الجنس اللطيف فقط، وهذا غير صحيح، فهو ينال من الجنس الخشن أيضًا، ويشاهَد في كل الأعمار، إلا أنه أكثر حدوثًا عند النساء، وعند أصحاب البشرة البيضاء، وعند المسنين. وفي هذا السياق، تقول الجمعية الدولية لهشاشة العظام، إن رجلًا من كل خمسة رجال سيعاني من الكسر جراء معاناته من الهشاشة العظمية خلال حياته، وأن امرأة من كل ثلاث نساء فوق سن الخمسين تصاب بهشاشة العظام. ومن باب العلم، فإن مرض الهشاشة لا يصيب كل النساء، فثلثا النساء فوق سن الخمسين لا يشكين منه.
8. يمكنني التخلي عن تناول أدوية الضغط في حال عاد إلى مستواه الطبيعي
إن ارتفاع ضغط الدم مشكلة شائعة عند المتقدمين في السن، خاصة ممن هم في العقدين الثامن والتاسع من العمر، ويمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة للغاية إذا لم يتم علاجه بشكل صحيح. إذا كنت واحدًا من بين الذين يتناولون خافضات الضغط، وهبطت أرقام ضغط الدم لديك، فهذا يدل على أن الدواء يفعل فعله، إلى جانب التغييرات التي قمت بها على صعيد نمط الحياة. من المهم جدًا الاستمرار في العلاج، واتباع توصيات الطبيب في هذا الخصوص، وإلا فإن ضغط الدم قد يرتفع من جديد، ما يزيد من خطر التعرض لمضاعفات لا لزوم لها، وقد تكون قاتلة. إذا كنت مصرًا على إيقاف الدواء، فعليك أن تبحث الأمر مع طبيبك، واستشارته بشأن سلامة هذه الخطوة.
9. سأتخلى عن قيادة السيارة لأني عجوز
لا يعني التقدم في السن أنه يجب عليك اتخاذ قرار بالتوقف عن قيادة السيارة، فمثل هذا القرار لا يجب أن يكون مرتبطًا بالسن، بل يجب أن يكون مرتبطًا بمدى قدرتك على القيادة بأمان. لا شك بأن التقدم في السن قد يترافق بتغيرات، مثل تدهور الرؤية، وردود الفعل البطيئة، وخفة السمع، وانخفاض القوة أو الحركة، والإصابة ببعض الأمراض، فمثل هذه الأمور هي التي تحدد مدى قدرتك على الاستمرار في القيادة أو لا. تحدث مع طبيبك لسيساعدك في اتخاذ القرار السليم.
10. لا يمكن لكبار السن أن يتعلموا أشياء جديدة
غير صحيح، فكبار السن لديهم القدرة على تعلم أشياء جديدة، وعلى خلق ذكريات جديدة، وعلى تحسين أدائهم في مجموعة متنوعة من المهارات.
11. الإصابة بالخرف أمر طبيعي عند كبار السن
الخرف ليس جزءًا طبيعيًا من الشيخوخة، صحيح أن خطر الإصابة بالخرف يزيد مع التوغل في السن، إلا أن الإصابة به ليست حتمية، فكثيرون من كبار السن يصلون إلى عمر التسعين وما بعده دون أي علامات تشير إلى معاناتهم من الخرف. إن نسيان موعد، أو فقدان المفاتيح، أو عدم تذكر شيء ما، هي من الأمور التي تحصل أحيانًا، وهي جزء من الشيخوخة الطبيعية، ولا تدل بالضرورة على الخرف.
12. الاكتئاب شيء طبيعي عند كبار السن
قد يعاني بعض كبار السن من الوحدة التي قد تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب والقلق والحزن، ومع ذلك، فإن هذه المشاعر لا تشكل جزءًا طبيعيًا من الشيخوخة، فالتقدم في السن يمكن أن يكون له العديد من الفوائد العاطفية، مثل العلاقات الطويلة الأمد مع الأصدقاء وأفراد العائلة، والذكريات الحياتية التي يتم مشاركتها مع الأحبة. بشكل عام، يمكن القول إن كبار السن هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة مع الشباب، ولكن يجب الأخذ به في الحسبان، لأن المتقدمين في السن قد يعانون من الاكتئاب خلسة، وتكون أعراضه عندهم مبهمة وغير واضحة، خاصة أنهم لا يفصحون عن مشاعرهم بسهولة.
مسك الختام:
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنه ما بين عامي 2000 و2050، ستقفز نسبة كبار السن الذين تخطوا 60 عامًا من العمر، من حوالي 11% إلى 22% من إجمالي سكان الكرة الأرضية، من هنا يبدو تبديد الأساطير الخاطئة المتعلقة بالشيخوخة ضرورياً، لأنها كثيرًا ما تقوّض رفاهية كبار السن، وتنغص عليهم عيشهم.
أظهرت الأبحاث أن المساعدة في الحفاظ على الصحة، واستمرار القدرة على الحركة مع التوغل في خريف العمر، وتبني عادات صحية وخيارات جيدة في نمط الحياة، وفهم الجوانب الإيجابية للشيخوخة، من شأنها أن تجعل الأساطير الخاطئة المتداولة حول الشيخوخة في خبر كان.
المصادر:
Medical myths about aging: Is deterioration inevitable?
