أعيش أنا وعائلتي في وسط مدينة حلب (مركز المدينة)، وفي العادة أنام باكرًا وأستيقظ قُبيل الفجر لأبدأ عملي. لكن في فجر يوم الاثنين 6/2/2023، وتحديدًا الساعدة الرابعة والثلث شعرت وكأن فراشي يهتز بشدة كبيرة جعلتني أقفز وأشعر بخطورة الحالة، فأيقظت أسرتي للخروج من المنزل بسرعة لأن الأطباق بدأت تسقط وتتكسر على أرضية المطبخ، وزمن الاهتزاز صار طويلًا أكثر من المعتاد.
لقد رُجت الأرض تحت أقدامنا رجًا، ولم نتوقع الخروج من المبنى سالمين إلا بلطف الله ورحمته بنا، وما إن وصلنا إلى الشارع حتى تنفَّسنا الصعداء، ورحنا نراقب المباني أيها سيسقط، لأن معظم المباني المحيطة بنا كانت قديمة، لكن الله قدّر ولطف، ولم تسقط الكثير من المباني في منطقتي، لكن في مناطق أخرى سقط الكثير.
الزلزال الذي وقع بين سوريا وتركيا بلغت شدته في حلب 6.5 على مقياس ريختر، ولا تزال تداعياته المادية والنفسية تخيّم على المكان والزمان. وقد بقينا نشعر "وهميًا" بوجود الاهتزاز، مع أنه لا يوجد اهتزازات لعدة أيام.
سنتكلم هنا عن أحد التداعيات النفسية التي تصيب من حلّت بهم _كما حلّ بنا_ كارثة الزلازل، وهي متلازمة دوار ما بعد الزلزال. لكن ما هذه المتلازمة؟ ولماذا يكون لها أثر مديد؟ وكيف نتخلص منها؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
ما هي متلازمة الدوار بعد الزلزال؟
متلازمة الدوار بعد الزلزال أو PEDS هي اختلال التوازن الناجم عن الزلزال الذي قد يتأثر بشكل أكبر بالضغوط الجسدية، بما في ذلك الاضطرابات الحسية التي تسببها اهتزازات الزلزال، والتغيرات في الظروف المعيشية، والإجهاد اللاإرادي.
غالبًا ما يتبع الزلازل الكبرى المدمرة للأبنية (التي تكون شدتها أكثر من 7 درجات على مقياس ريختر) عدد كبير من الهزات الارتدادية الصغيرة والمتوسطة. لكن الزلازل الكبرى ليس لها آثار مدمرة على البيئة فحسب، بل لها أيضًا بعض الآثار الجسدية والنفسية غير المعروفة إلى حد كبير على البشر الذين يتعرضون لها.
حدثت حالات كثيرة من الدوار بعد الزلازل الكبيرة، ومع ذلك، فمن غير الواضح لماذا يتسبب الزلزال الكبير في هذا الدوار. يشبِّه البعض متلازمة الدوار بعد الزلزال بدوار البحر (وهو أحد أمراض الحركة) الذي يصيب الناس عندما يركبون في السفن والبواخر أول مرة، لكن الفرق بينهما أن الدوار بعد الزلزال يستمر لعدة أيام، أما دوار البحر فيحدث في الساعات الأولى من إبحار السفينة ثم تتلاشى أعراضه.
أجريت تجربة على اختلال التوازن والحالات النفسية المرتبطة بخلل التوازن لدى الأفراد المعرضين للهزات الارتدادية المتكررة مقابل أولئك الذين نادرًا ما تعرضوا لها. ولوحظ حدوث اختلال وظيفي أكبر في التوازن لدى أفراد المجموعة المعرضة للزلزال.
يبدو أن خلل التوازن في المجموعة التي تعرضت للهزة الارتدادية قد نشأ عن اضطراب في عمل الأذن الداخلية، إضافة للقلق الفردي المعزز بالتعرض المتكرر للهزات الارتدادية.
وتشير النتائج العلمية إلى التأثيرات المحتملة للضغط اللاإرادي على وظيفة التوازن بعد الزلزال الكبير. قد تساهم هذه النتائج في التعامل مع أخطار الصحة النفسية والجسدية بعد الزلازل الكبرى، وتسمح بتطوير نهج تجريبي جديد لرعاية الكوارث بعد مثل هذه الأحداث.
كيف نتوازن؟
للحفاظ على الشعور بالتوازن، يعالج الدماغ البشري المعلومات التي تصله من الجلد والعضلات والعينين والأذنين، ويتعارض الاهتزاز القوي مع هذا الأداء الطبيعي، ويمكن أن يكون له تأثير طويل بعد انتهاء الزلزال. قد ينشأ التوتر والقلق بسبب تذكّر الهزة في بعض الحالات، مما يؤدي بالناجين إلى الاعتقاد خطأ أنهم يتعرضون لزلزال آخر، الأمر الذي يؤدي بهم للإصابة بمتلازمة الدوار بعد الزلزال.
بعد الزلزال الذي ضرب مدينة توهوكو في اليابان (بقوة 9 درجات)، أجرى فريق من الباحثين مسحًا على حوالي 3000 مريض خضعوا للعلاج في المؤسسات الطبية في منطقة العاصمة طوكيو ومحافظة فوكوشيما بين مارس/ آذار ومايو/ أيار 2011، عانى حوالي 80 إلى 90 بالمائة من البالغين و50 إلى 70 بالمائة من الأطفال من نوبات مفاجئة من الدوار. في كثير من هذه الحالات. حدث الدوار عندما كانوا داخل أبنية أو في وضعية الجلوس. ويقول الباحثون: إن احتمالية حدوث الدوار تقل إذا كانوا بالخارج في الهواء الطلق وليس في مكان مغلق. لأن ممارسة الرياضة (في الهواء الطلق) تساعد في تخفيف القلق المرتبط بذاكرة الاهتزاز في الدماغ.
لقد شعر كثير من الناس في المنطقة القريبة من مركز الزلزال بالدوار، كما لو أنهم يتأرجحون في وقت لم تكن فيه توابع الزلزال تحدث بالفعل. وهناك عدد قليل من التقارير حول الدوار بعد الزلازل الكبيرة في العالم.
أجريت دراسة سريرية وبائية على متلازمة الدوار بعد الزلزال. حيث أصبح الأشخاص المتأثرون يحسون بشعور التأرجح، خاصةً عند الجلوس داخل المنزل. كما تم العثور على اختلاف كبير فيما يتعلق بالجنس، فقد كان انتشار المتلازمة أكثر بين صفوف الإناث.
من ناحية أخرى، بدا أن القلق والتوتر الاجتماعي الناجمين عن الكارثة من العوامل المساهمة في حدوث الدوار بعد الزلزال. ترتبط الآلية الأساسية للشعور بالدوار بوجود محفزات لأنظمة الأذن الداخلية في حفظ التوازن. وقد تمت إضافة الاضطرابات العاطفية إلى المسببات.
أعراض دوار ما بعد الزلزال:
تشمل أعراض دوار ما بعد الزلزال ما يلي:
- الشعور بتأرجح وهمي في الجسم (يستمر أقل من دقيقة واحدة ولعدة مرات بعد الزلزال).
- الشعور بالقدمين وكأنهما يتأرجحان في الهواء.
- ظهور مشكلات في المسالك البولية.
- ظهور طنين الأذن، أو امتلاء الأذن.
- ظهور مشكلات في الرؤية.
- اضطرابات النوم.
- القلق.
- التعرق.
- الحمى.
- القيء.
قصة حالة:
ذكرنا أن الزلازل الكبيرة تسبب أحيانًا نوبات دوار أو دوخة مستمرة، والتي قد تكون مرتبطة بتأثيرات الضغط على وظيفة التوازن، أو العوامل النفسية، أو كليهما معًا. نقدم هنا حالة امرأة تبلغ من العمر 73 عامًا عانت من دوار مستمر لمدة عام كامل، كانت تعيش خلاله في منزل مائل بسبب زلزال توهوكو الكبير عام 2011.
أظهر مخطط كهربية الرأرأة Nystagmus [أو ترجرج حدقة العين، وهو شكل من حركات العين اللاإرادية] رأرأة أفقية يسارًا وهبوطًا في وضعي الجلوس والاستلقاء مع إغلاق العينين. وظهرت استجابات طبيعية في كلتا الأذنين. وبعد انتقال المرأة إلى شقة جديدة غير مائلة، اختفى الدوار والرأرأة تمامًا في غضون 10 أسابيع.
تسبب الزلازل الكبيرة أحيانًا درجات متفاوتة من الدوار. يُعتقد أن الدوار مرتبط بالتأثيرات المحتملة للضغط على وظيفة التوازن أو العوامل النفسية أو على كليهما، وقد ذكر الباحثون زيادة عدد حالات الدوار ومرض مينيير [ويسمى أيضًا بالدوار التيهي Labyrinthine Vertigo]، وهو أحد الاضطرابات التي تصيب الأذن الداخلية المسؤولة عن السمع والتوازن، مما يؤدي الى حدوث اختلالات في السمع وتوازن الجسم.
ذكر الباحثون أن الزلزال قد يؤدي إلى تفاقم حالات دوار الوضع الانتيابي الحميد الثانوي، وأن أعراض الدوار غالبًا ما ترتبط بالقلق. ويرى الباحثون أن حدوث الرأرأة بعد زلزال كبير أمر نادر الحدوث. علاوة على ذلك، لا يوجد تقرير يشرح كيف يحدث الدوار بعد زلزال كبير من حيث اضطراب عمل الأذن الداخلية، في غياب الاكتئاب أو الاضطرابات العقلية الأخرى.
علاج متلازمة الدوار بعد الزلزال:
يبدو أن الحفاظ على اللياقة البدنية في الحياة اليومية، وتجنب القلق الناجم عن متابعة وسائل الإعلام أمران مهمان في الوقاية والعلاج. وقد ثبت أيضًا أن العلاج الطبيعي والأدوية مهمان لمنع الأعراض من التفاقم. ويمكن أيضًا القيام بالإجراءات التالية:
- تدريب عين الشخص من خلال جعلها تركز على شيء بعيد.
- احتساء السوائل الباردة أو الساخنة.
وفي الحالات الأكثر خطورة، قد يُنصح المرضى باستخدام مضادات الهيستامين التي لا تستلزم وصفة طبية، والتي تُعرف أيضاً باسم حبوب دوار الحركة ودوار البحر والسفر.
الخلاصة:
لقد تناولنا في هذا المقال التعريف بأحد الأعراض التي قد تصيب الناس بعد حدوث زلزال كبير على غرار الذي وقع بين سوريا وتركيا، ألا وهو متلازمة دوار ما بعد الزلزال، وهي اختلال توازن الجسم بسبب الاهتزاز العنيف للأرض أو البِناء، لكنها لا تدوم عادة أكثر من أيام، ويمكن علاجها بالنظر إلى أماكن بعيدة، وتناول المشروبات الساخنة، وتناول بعض مضادات الهيستامين، لكن إذا استمرت الحالة لأكثر من أسبوع، يفضل أن يراجع المصاب الطبيب لتشخيص حالته ومساعدته في العلاج.
المصادر
http://strangesyndromes.blogspot.com/2021/12/post-earthquake-dizziness-syndrome.html
https://www.researchgate.net/publication/276180988_Post_Earthquake_Dizziness_Syndrome
https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S038581461930937X