هل يوجد فحص دم للكشف ولتشخيص مرض الاكتئاب؟ عندما تكون متعبًا أو مرهقًا جسديًا قد يُجري الطبيب العام مجموعة من الفحوصات المخبرية لمساعدته في معرفة سبب شعورك بالإعياء. ومع ذلك، عندما تظهر عليك أعراض مرض نفسي أو عقلي يمكن أن يكون التشخيص والعلاج عملية أكثر تعقيدًا لأن الأدوات المتاحة في تشخيص هذا النوع من الأمراض محدودة أو حتى غير موجودة، لذا يتم إجراء أبحاث علمية للإتيان بفحوصات مخبرية جديدة تساعد في الكشف عن الأمراض النفسية والعقلية، ولكن واقعنا الحالي هو أننا لا نمتلك حتى الآن اختبار دم بسيط يمكنه تشخيص الاكتئاب. في هذا المقال ستتعرف على بعض فحوصات الدم المحتملة للاكتئاب.
تشخيص الاكتئاب
إذا ظهرت عليك أعراض الاكتئاب وذهبت إلى الطبيب العام، فقد يستغرق الحصول على التشخيص الصحيح وإيجاد علاج مناسب لك عدة خطوات، وقد يتطلب ذلك خبرة أكثر من طبيب متخصص والاستعانة بآراء مختلفة. قبل إجراء أي اختبارات دم سيرغب الطبيب العام في طرح الأسئلة ومعرفة المزيد عن حالتك الصحية العامة، وهذا يعني أن الطبيب العام سيسألك عن أعراضك ويبحث عن علامات بارزة في صحتك العامة، ويشير إلى تاريخك الطبي السابق، كما سيسألك أيضًا عن التاريخ الصحي لعائلتك، بما في ذلك الصحة العقلية والنفسية.
اعتمادًا على نتائج فحوصات الدم، قد تكون الخطوة التالية هي الحصول على إحالة إلى نوع آخر من الأطباء مثل طبيب نفسي أو مركز علاج نفسي. يمكن للأطباء المتخصصين في مجال الصحة العقلية تأكيد تشخيص الاكتئاب من خلال التمييز بينه وبين الحالات النفسية الأخرى، مثل الاضطراب الثنائي القطب واضطرابات القلق واضطراب الوسواس القهري (OCD).
بمجرد إجراء التشخيص، يمكن للطبيب استخدام كل هذه المعلومات، بالإضافة إلى النتائج التي توصل إليها الطبيب العام للبدء بإنشاء خطة العلاج. وبما أن إجابة سؤال هل يوجد اختبار دم للاكتئاب، هي لا، إذًا ما هي فحوصات الدم المحتملة للاكتئاب والتي تساعد في تشخيصه؟
فحوصات الدم المحتملة للاكتئاب
بعد موعدك مع طبيب العام قد يطلب منك إجراء فحص دم واحد أو أكثر لاستبعاد الحالات الصحية الأخرى التي يمكن أن تسبب أعراض الاكتئاب مثل التعب وانخفاض الحالة المزاجية وتغيرات الوزن. وتشتمل فحوصات الدم المحتملة للاكتئاب على الآتي:
تعداد الدم الكامل (CBC)
يفحص تعداد الدم الكامل الأنواع المختلفة من الخلايا الموجودة في الدم ويحسب عددها، ويمكن استخدام هذا الاختبار للتحقق من فقر الدم أو العدوى، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى التعب.
وظائف الغدة الدرقية
تفحص وظائف الغدة الدرقية (Thyroid Function Panel) الدم لمعرفة مستويات الهرمونات التي تنتجها الغدة الدرقية. إذا كانت الغدة الدرقية نشطة بشكل غير كاف أو نشطة بشكل مفرط، فقد تؤدي إلى أعراض مزاجية ونفسية.
بالإضافة إلى الاكتئاب، يمكن أن تؤدي اختلالات الغدة الدرقية إلى أعراض مثل:
- الإمساك.
- جفاف الجلد.
- التعب.
- انخفاض الرغبة الجنسية.
- الخمول.
- زيادة الوزن.
الكرياتينين ونيتروجين اليوريا في الدم
تعكس مستويات الكرياتينين (Creatinine) ونيتروجين اليوريا في الدم (BUN- and Blood Urea Nitrogen) مدى جودة وكفاءة عمل الكلى. لا يمكن أن يؤدي مرض الكلى إلى أعراض مشابهة للاكتئاب فحسب، بل من المهم أيضًا أن يعرف الأطباء ما إذا كانت وظائف الكلى ضعيفة قبل وصف مضادات الاكتئاب. عندما لا تعمل الكلى بشكل جيد فقد تكون غير قادرة على التخلص من بعض الأدوية بشكل صحيح.
فحص وظائف الكبد
إذا كان الكبد ملتهبًا أو تالفًا فغالبًا ما تكون هناك تغييرات يمكن اكتشافها من خلال فحص الدم. يمكن أن يسبب مرض الكبد أعراضًا مشابهة للاكتئاب، مثل الخمول. إذا لم يكن كبد الشخص يعمل بشكل جيد، فقد يشير ذلك أيضًا إلى شرب الكحوليات بشكل مفرط والتي يمكن أن تتزامن مع الاكتئاب أو تسببه. الأشخاص الذين يعانون من اضطراب تعاطي الكحوليات هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 3.7 مرات.
تحليل السكر الصيامي
تحليل السكر الصيامي Fasting Blood Sugar Test والذي يفحص كمية السكر في الدم بعد صيام ليلة كاملة للكشف عن مرض السكري. في حين أن الرابط الدقيق غير واضح، فإن الاكتئاب والسكري قد يحدثان معًا، وقد أشارت العديد من الدراسات أيضًا إلى أن الأشخاص المصابين بالسكري لديهم خطر متزايد للإصابة بالاكتئاب. قد يفحص طبيبك أيضًا مستويات الجلوكوز في الدم قبل وصف دواء للاكتئاب.
بعض فحوصات الدم المحتملة للاكتئاب الأخرى
من الأمثلة على فحوصات الدم المحتملة للاكتئاب الأخرى:
-
الكولسترول: لا يُعرف أن الكوليسترول مرتبط بشكل خاص بالاكتئاب، لكن مستوياته تؤثر على صحتك العامة، ويمكن أن تكشف فحوصات الدم ما إذا كان لديك مستويات عالية من الكوليسترول، مما يزيد من خطر إصابتك بمشكلات صحية مرتبطة بتراكم اللويحات في الشرايين (تصلب الشرايين وتضيقاتها وانسداداتها).
-
مستويات الكالسيوم والمغنيسيوم: على الرغم من ندرة ذلك، فإن ارتفاع مستويات الكالسيوم و/أو المغنيسيوم أو انخفاضها بشكل كبير يمكن أن يسبب مرضًا نفسيًا.
-
مستويات حمض الفوليك والفيتامين ب12: يمكن أن تشير المستويات المنخفضة من حمض الفوليك (الفيتامين ب9) أو الفيتامين ب12 إلى حالة تسمى فقر الدم الخبيث (pernicious anemia)، والتي غالبًا ما تسبب أعراض الاكتئاب. في بعض الحالات قد يبدأ بالتعب والخمول حتى قبل أن تظهر نتائج الاختبارات نقصًا.
ماذا تعني نتائج فحص الدم؟
عندما تظهر نتائج فحص الدم، قد تكون هناك "خطوة تالية" واضحة يجب عليك اتخاذها. على سبيل المثال؛ إذا كانت لديك مستويات منخفضة من الفيتامين ب12، فقد يوصي الطبيب بالبدء في تناول مكملات الفيتامينات أو تلقي الحقن منه.
إذا تم تشخيصك بحالة طبية مثل قصور الغدة الدرقية أو مرض السكري، فقد تجد أن أعراض الاكتئاب لديك تبدأ في التحسن بمجرد بدء العلاج للحالة الأساسية، وقد يختفي الاكتئاب بمجرد ضبط الحالة. عندما تشير اختبارات الدم إلى معاناتك من ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، فقد يوصي الطبيب بإجراء بعض التغييرات في نمط حياتك. قد تجد أن تعديل نظامك الغذائي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام يساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب أيضًا.
قد تدفع نتائج الفحوصات المخبرية للاكتئاب الطبيب إلى سؤالك عن شربك للكحوليات والمخدرات أيضًا، أو إذا كنت تستخدم مواد أو تعاني من الإدمان، فمن الأهمية بمكان أن تكون صادقًا مع الطبيب للحصول على الدعم، والعلاج للإدمان هو جزء من معالجة الاكتئاب.
عندما تكون فحوصات الدم للاكتئاب طبيعية، فمن المرجح أن يشعر بمزيد من الثقة في أن اكتئابك ليس ناتجًا عن حالة طبية أساسية. بمجرد استبعاد سبب آخر، يمكن تحويل التركيز نحو إيجاد العلاج الأكثر فعالية. قد يبدأ طبيبك بوصف مضاد للاكتئاب لتجربته، أو إحالتك إلى معالج داخل نظام الرعاية الصحية أو المجتمع، أو كليهما. قد يحيلك إلى طبيب نفسي لإجراء تقييم أكثر شمولاً أو لوصف دواء.
قد تحتاج إلى تعديل علاج الاكتئاب أو البدء بشيء جديد تمامًا، على سبيل المثال، مع تقدمك في العمر يمكن للتغيرات التي تطرأ على حياتك وجسمك أن تؤثر على مدى نجاح بعض العلاجات بالنسبة لك.
هل سيوجد مستقبلًا اختبار دم دقيق للاكتئاب؟
على الرغم من أنها لم تصبح شائعة الاستخدام من قبل معظم الأطباء، فهناك في مجال البحث النفسي اهتمام كبير بإمكانية استخدام المؤشرات الحيوية للمساعدة في تشخيص الاكتئاب وغيره من الحالات النفسية.
هناك العديد من العوامل التي تحدد ما إذا كان شخص ما سيصاب بالاكتئاب في حياته، بما في ذلك العوامل الوراثية والبيئة. كما يستمر البحث في إظهار كيف أن الدماغ والجسم مرتبطان بشكل لا ينفصل؛ إذ تؤثر صحة أحدهما على صحة الآخر.
وقد بحثت بعض الدراسات عن وجود صلة محتملة بين مستويات الالتهاب في الجسم والاكتئاب، ويبحث آخرون في كيفية تأثير جراثيم الأمعاء المفيدة على الصحة العقلية. كما استكشف البحث إمكانية وجود صلة بين مستويات الكورتيزول المرتفعة والاكتئاب. وفي عام 2015، اقترحت دراسة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو أن التغييرات في جين معين مرتبط بالكروموسوم X قد تساهم في الإصابة بالمرض العقلي لدى النساء.
في يوم من الأيام، قد نتمكن من فحص المعلومات الجينية للشخص، وقياس مستويات العلامات الالتهابية في دمه، والبحث عن تغييرات في بنية دماغه لتحديد مخاطر الإصابة بالاكتئاب، وتشخيص الحالة، وإيجاد العلاج الأكثر فعالية، لكننا لم نصل إلى ذلك بعد. في الوقت الحالي، فإن الطريقة الأكثر فعالية لتشخيص وعلاج الاكتئاب هي الخضوع للتقييم من قبل طبيب ومتخصص في الصحة النفسية وإقامة علاقة صحية وداعمة معهم.
نهايةً، تعتبر فحوصات الدم المحتملة للاكتئاب خطوة واعدة نحو تحسين تشخيص هذا المرض المعقد. ورغم أن الأبحاث ما تزال في مراحلها الأولى، فإن تطوير اختبارات دقيقة يمكن أن يسهم في تقديم علاجات مبكرة وأكثر فعالية. يبقى الأمل كبيراً في أن تسهم هذه الفحوصات مستقبلاً في تحسين الرعاية الصحية النفسية وتشخيص الاكتئاب بشكل أسرع وأكثر دقة.