حقائق هامة
وقبل أن نبدأ، فلنستعرض بعض الحقائق المهمة
- بما أنه من المتفق عليه علميا أنه للتخلص من الوزن الزائد، ثم للمحافظة عليه لا يكفي عمل نظام غذائي "رجيم"، أو حتى عمل عملية من عمليات جراحات السمنة مثل التكميم أو تحويل المسار، ولكن الأهم هو إحداث تغيير سلوكي إدراكي للعادات الغذائية السيئة.
- من المعروف أيضا أن تكلّف أي خصلة أو سلوك لمدة 20 يوما، تجعلها تصبح عادة، ثم تصبح بعد ذلك تلقائية، وتكتسب قوة العادة التنفيذيه حيث يفعلها الإنسان دون وعي، بمعنى أنه يفعلها في العشرين يوما الأولى بتركيز وإدراك، وبسيطرة من عقله، ثم شيئا فشيئا تنتقل إلى اللاوعي، وتخرج للتنفيذ كرد فعل تلقائي. ولأن رمضان شهر الروحانيات والبركات فهو شهر من المفترض أن تكون حالة وسريرة المسلم في أفضل أحوالها من هدوء وسكينة تسمح له بالتغيير للأحسن والإقبال على التخلص من العادات السيئة.
- ولتعلم أخي الكريم أن معركتنا الأساسية لتغيير السلوك الغذائي في رمضان هي أثناء فترة الإفطار، وليست فترة الصيام، وهي معركة إيمانية سلوكية لو انتصرت فيها لتغيّرت حياتك الغذائية بل الصحية طيلة حياتك.
- إن في رمضان سلاح فعال جدا لم نستعمله من قبل في معركة المحافظة على الوزن، ألا وهو سلاح الدعاء فلا مانع من أن تدعو الله عند الإفطار كل صلاة أن يعينك على أن تتخلص من وزنك الزائد، والمحافظة عليه، والدعاء سلاح ناجح في أمور الدنيا والآخره، وهذا السلاح ممكن أن يستخدم بشكل فردي أو جماعي، بمعنى أن ندعو وحدنا أو مع الأهل والأصدقاء.
العادات الخمس
والآن هلم لنستعرض هذه العادات وكيفية اكتسابها
عدم تناول الطعام إلا عند الإحساس بالجوع
الجوع شعور فسيولوجي مهم جدا حتى تنسجم هرمونات التغذية والهضم، وأثناء صيام رمضان يثبت لنا أنه يمكن أن نتعايش مع الجوع، فبعد عدة أيام يمكننا أن نعمل ونحن جوعى، ونسير ونحن جوعى، ونسوق ونحن جوعى.
واكتساب عادة أننا لن نأكل إلا عند الجوع تجعل تناول الطعام هو عملية إيجابية إدراكية، بمعنى أننا نجمع حواسنا كلها قبل الأكل لمعرفة هل نحن جوعى أم لا؟ ثم تحديد وقت ومكان ونوع الطعام؟
والإحساس بالجوع يجعل التوازن الهرموني المنظم لعملية حرق الدهون في أفضل أحواله، ويجعل الجسم يتفاعل بذكاء بين الغذاء الذي يدخله والطاقة التي ينفقها من سكريات ودهون مخزونة في الجسم.
والأكل فقط عند الإحساس الجوع يجعل الأكل أكثر متعة واستمتاعا، بل إننا سنصل إلى الاستمتاع بالجوع نفسه، ومشاعر خفة الجسم والروح. وهو يقضي على عادة الأكل بنظام (24/7) في أي وقت، وإزاء أية إغراءات، وهو الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تقليل كمية الأكل، وكمية السعرات التي تدخل الجسم.
وبالطبع الصيام في حد ذاته يكسب الإنسان هذه العادة نهارا، وعليه أن يجاهد نفسه ليلا حتى لا يأكل إلا حين يشعر بالجوع، لذا ننصح بشرب المياه بكثره بعد وجبة الإفطار، وقبل السحور للتخلص من الجوع الكاذب.
التوقف قبل الامتلاء
ما اتفق عليه العلم والدين أن حالة الامتلاء ضارة بالمريء والمعدة، وكثيرا ما تصيب الشخص بالحموضة والغثيان والرغبة في القيء والكسل. وأيضا تجعل الدماء تتحرك ناحية المعدة والأمعاء، وبذلك تقل كمية الدماء المتوجهه للمخ والقلب، وهما العضوان الحيويان الأكثر أهمية.
ولعل اكتساب هذه العادة بعد الإفطار هو أصعب جزء في منظومة تغيير العادات الغذائية، ولعل الانشغال في برنامج عبادي، والارتباط بصحبة من العائلة أو المسجد - ويا حبذا أن يكونوا من الراغبين في المحافظة على الحفاظ على الوزن - هي الوسيلة لذلك.
الاجتماع على طعام
في الاعتياد على عدم الأكل إلا مع الأهل أو الأصدقاء ما يساعدك على التخلص من عادة "الأكل الدائم"، بجوع أو بغير جوع، وهي من أهم أسباب زيادة الوزن، كما يساعد على الارتباط بالآخرين، وخاصة من الراغبين في إنقاص أوزانهم ليكونوا لك عونا دائما، وهو ما يسهل تحقيقه في رمضان "شهر اللمّة والاجتماع".
تناول الطعام بتركيز وإدراك (لا تلفزيون - لا كمبيوتر - لا محمول)
كل آداب الطعام في الإسلام تجعلك في حالة من التركيز الذهني قبل وأثناء الأكل، فأنت لا تأكل حتى تجوع، وتسمي الله قبل أن تبدأ، ولك طريقة في الجلوس أثناء الطعام، وتأكل باليمين، وتأكل مما يليك، وتحمد الله عند الانتهاء، بمعنى أنك تهتم بالإجراءات التي تقوم بها أثناء الطعام، فيكون عقلك وهمك كله في طريقة ونوع المأكولات، وهذا يجعلك بالتبعية لا تأكل واقفا، أو أثناء العمل على الكمبيوتر، أو مشاهدة التلفزيون.
والتعود على التركيز والإدراك يجعلك قادرا على الاختيار لما تأكله، والتوقف قبل الامتلاء، فالإحساس بالشبع عملية مركبة ومعقدة؛ تحتاج حوالى 20 دقيقة، وتتم بمساعدة كل الحواس، (النظر والسمع والتذوق والشم واللمس)، لذا فالتركيز والتفرغ لها يساعد على تحقيق الشبع والارتواء مبكرا.
الأكل على مائدة وليس واقفا أو في السيارة
وهي عادة مكملة للاجتماع على طعام لتأكيد التخلص من "عقلية" الأكل بأي وضع، وفي أي زمن، وهو ما يؤثر سلبا في هرمونات الجسم التي تساعد على حرق الدهون الزائدة.
إن اكتساب هذه العادات الخمس لتصبح جزءا من سلوكك اليومي بعد رمضان هو من أهم الإنجازات الشخصية التي ينبغي أن نسعى إليها في رمضان، لأن هذا يضمن استمرار المحافظة على الوزن، والتخلص من الوزن الزائد بشكل مستمر، حتى ولو كان بطيئا.
ولعل من أسباب المحافظة على انتصاراتك التي ستحققها في رمضان بإذن الله أن تصوم بعد رمضان، تصوم في شوال، وطيلة أيام السنة، والله أعلم لا غبار عليك أن تكون إحدى نواياك من الصيام المحافظة على وزنك وصحتك، حيث إن جمع عدة نوايا في صيام النفل أمر طيب، وخاصة في المحافظة على صحتك، واستمتاعك بحياة خالية من الأمراض بوجه عام، تعينك على عبادة الله، والقيام بأدوار الخلافة في أفضل وجه.