تُعدّ السمنة وأمراض التمثيل الغذائي المرتبطة بها من أهم التحديات الصحية التي تواجه العالم اليوم، وإن فهم كيفية تكوين الأنسجة الدهنية ووظائفها هو أمر بالغ الأهمية لمكافحة هذه الأمراض. تختلف خصائص وظائف الأنسجة الدهنية أو دهون الجسم حسب موقعها في الجسم، مما يجعل من دراستها أمرًا معقدًا. وفي دراسة جديدة نُشرت في مجلة Cell Metabolism في 9 مايو 2024، اكتشف باحثون من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان عن خلايا جديدة في النسيج الدهني الثربي في البطن تعوق تكوين خلايا دهنية جديدة، ما قد يُحدث ثورة في التعامل مع السمنة وفي علاجها.
الأنسجة الدهنية الثربية
يُعتبر الثَرْب أو النسيج الدهني الثربي أكثر من مجرد مستودع لتخزين الدهون في البطن، فهو طبقة سميكة من الأنسجة الدهنية تشبه المئزر أو المريول وتتدلى من المعدة وتغطي الأعضاء الموجودة داخل البطن (البريتوان أو الغشاء الداخلي للبطن) مثل المعدة والأمعاء، كما أنها تلعب دورًا مهمًا في تنظيم المناعة وتجديد الأنسجة.
ويرتبط تراكم النسيج الدهني الثربي بشكل الجسم الذي يشبه فاكهة الكمثرى الذي يظهر عندما يتوسع مستودع الدهون في البطن بشكل كبير، مما يترافق مع زيادة خطر الإصابة بأمراض التمثيل الغذائي. ولا يرجع هذا التوسع إلى تكوين خلايا دهنية جديدة، وهي عملية تعرف باسم تكوين الشحم، إنما يرجع في الغالب إلى توسيع الخلايا الموجودة، وهي عملية تسمى التضخم، ويمكن أن يؤدي هذا التضخم إلى التهاب مزمن، وإلى مقاومة الإنسولين.
وعلى عكس الدهون الموجودة تحت الجلد، فإنّ قدرة الدهون الثربية على تكوين خلايا دهنية جديدة محدودة، حتى في حالة زيادة تناول السعرات الحرارية في الطعام.
اكتشاف خلايا جديدة في الأنسجة الدهنية تمنع تكوين خلايا دهنية جديدة
حدَّد باحثون من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان (EPFL) بقيادة البروفيسور بارت ديبلانكي مجموعة من الخلايا الموجودة في الأنسجة الدهنية الثربية تعوق تكوين خلايا دهنية جديدة. وشملت الدراسة أكثر من 30 مشاركًا لإجراء مقارنة تفصيلية في مواقع الدهون المختلفة.
استخدم الباحثون تسلسل الحمض النووي الريبي (RNA) أحادي الخلية لتحليل الخلايا من مستودعات الدهون البشرية المختلفة، وعزل مجموعات فرعية من الخلايا واختبار قدرتها على التحول إلى خلايا دهنية جديدة.
وحدَّدت هذه الطريقة مجموعة من الخلايا الموجودة في الأنسجة الدهنية الثربية، والتي قد تكون المفتاح لتفسير خصائصها غير العادية. هذه الخلايا، التي تسمى الخلايا الظِّهارية المتوسطة، تكسو بشكل عام تجاويف الجسم الداخلية كطبقة واقية.
تتحوََّل بعض الخلايا الظِّهارية المتوسطة إلى ما يشبه خلايا اللُّحمة المتوسطة التي يمكن أن تتطور إلى مجموعة متنوعة من أنواع الخلايا، بما في ذلك الخلايا الشحمية (الخلايا الدهنية). وقد يكون هذا التحول الديناميكي بين الحالات الخلوية آليةً رئيسية تمارِس هذه الخلايا من خلالها تأثيرها على نشاط الأنسجة الدهنية الثربية.
وجدت الدراسة أن الخصائص الشبيهة بخلايا اللُّحمة المتوسطة لهذه الخلايا ترتبط بتحسين قدرتها على تعديل بيئتها الدقيقة، مما يوفر آلية تنظيمية للحد من توسع الأنسجة الدهنية. ومن خلال التبديل بين هاتين الحالتين، قد تكون الخلايا قادرة على التأثير على النشاط العام لمستودع الدهون الثربية وقدرته على تراكم الدهون دون التسبب في حدوث مضاعفات الأيض (التمثيل الغذائي).
خطوة مهمة نحو علاجات جديدة للسمنة
ومن جانبها، قالت راديانا فيريرو، وهي أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان: "من المهم أننا اكتشفنا أيضًا جزءًا على الأقل من الآلية الوظيفية التي تؤثر من خلالها مجموعة الخلايا الثربية الجديدة على تكوين الشحم".
وتابعت: "تُظهر الخلايا مستويات عالية من بروتين ربط عامل النمو شبيه الإنسولين 2 (IGFBP2)، وهو بروتين معروف بتثبيط تكوين الخلايا الدهنية، ويُفرز هذا البروتين في هذه البيئة الدقيقة للخلايا، وهذا بدوره يؤثر على مستقبِلات معينة في الخلايا الجَذعية الدهنية، ويمنعها بشكل فعال من التطور إلى خلايا دهنية ناضجة".
وأوضحت بيرنيل راينر، وهي باحثة رئيسية أخرى في الدراسة، أن لهذه النتائج آثارًا عميقة على فهم حدوث السمنة غير الصحية من الناحية الحيوية وضبطها. وأضافت: "معرفة أن الدهون الثربية لديها آلية مدمَجة للحد من تكوين الخلايا الدهنية يمكن أن تؤدي إلى علاجات جديدة تعدّل هذه العملية الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، تفتح هذه الدراسة إمكانيات علاجات مستهدَفة يمكنها تعديل نشاط مستودعات دهون معينة".
تابع آخر أخبار صحتك عبر Google News
